في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

ويصور إحسانهم صورة خاشعة ، رفافة حساسة :

( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون ) . .

فهم الأيقاظ في جنح الليل والناس نيام ، المتوجهون إلى ربهم بالاستغفار والاسترحام لا يطعمون الكرى إلا قليلا ، ولا يهجعون في ليلهم إلا يسيرا . يأنسون بربهم في جوف الليل فتتجافى جنوبهم عن المضاجع ، ويخف بهم التطلع فلا يثقلهم المنام !

قال الحسن البصري : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كابدوا قيام الليل ، فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر ، حتى كان الاستغفار بسحر .

وقال قتادة : قال الأحنف بن قيس : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كانوا لا ينامون إلا قليلا . ثم يقول : لست من أهل هذه الآية .

قال الحسن البصري : كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة ، فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا ، إذ نحن قوم لا نبلغ أعمالهم . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وعرضت عملي على عمل أهل النار ، فإذا قوم لا خير فيهم ، مكذبون بكتاب الله وبرسل الله مكذبون بالبعث بعد الموت . فقد وجدت من خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا . ذكر الله تعالى قوما فقال : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم ! فقال له أبي - رضي الله عنه - : طوبى لمن رقد إذا نعس ، واتقى الله إذا استيقظ .

فهي حال يتطلع إليها رجال من التابعين - ذوي المكانة في الإيمان واليقين - ويجدون أنفسهم دونها . اختص بها ناس ممن اختارهم الله ، ووفقهم إلى القيام بحقها . وكتبهم بها عنده من المحسنين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

قوله تعالى : { وبالأسحار هم يستغفرون } قال الحسن : لا ينامون من الليل إلا أقله ، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار . وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد المخلدي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك ، أنا الملك ، من الذي يدعوني فاستجيب له ؟ من الذي يسألني فأعطيه ؟ من الذي يستغفرني فأغفر له " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد ، قال : اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك " . قال سفيان : وزاد عبد الكريم أبو أمية : ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا صدقة ، أنبأنا الوليد عن الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانئ ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : رب اغفر لي أو قال : دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

الثالثة- قوله تعالى : " وبالأسحار هم يستغفرون " مدح ثان ، أي يستغفرون من ذنوبهم ، قاله الحسن . والسحر وقت يرجى فيه إجابة الدعاء . وقد مضى في " آل عمران{[14211]} " القول فيه . وقال ابن عمر ومجاهد : أي يصلون وقت السحر فسموا الصلاة استغفارا . وقال الحسن في قوله تعالى : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " مدوا الصلاة من أول الليل إلى السحر ثم استغفروا في السحر . ابن وهب : هي في الأنصار ، يعني أنهم كانوا يغدون من قباء فيصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قالوا : كانوا ينضحون لناس من الأنصار بالدلاء على الثمار ثم يهجعون قليلا ، ثم يصلون آخر الليل . الضحاك : صلاة الفجر . قال الأحنف بن قيس : عرضت عملي على أعمال أهل الجنة فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا لا نبلغ أعمالهم " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " وعرضت عملي على أعمال أهل النار فإذا قوم لا خير فيهم ، يكذبون بكتاب الله وبرسوله وبالبعث بعد الموت ، فوجدنا خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .


[14211]:راجع جـ 4 ص 38.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

ولما كان المحسن لا يرى نفسه إلا مقصراً ، قال دالاًّ على ذلك وعلى أن تهجدهم يتصل بآخر الليل مؤكداً بالإسناد مرتين أيضاً : { وبالأسحار } قال ابن زيد : السحر : السدس الأخير من الليل { هم } أي دائماً بظواهرهم وبواطنهم { يستغفرون * } أي يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين ويسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم بالله وأنهم لا يقدرون على أن يقدروه حق قدره وإن اجتهدوا لقول سيد الخلق " لا أحصي ثناء عليك " وإبراز الضمير دال على أن غيرهم لو فعل هذا ليلة لأعجب بنفسه ورأى أنه لا أحد أفضل منه ، وعلى أن استغفارهم في الكثرة يقتضي أنهم يكونون بحيث يظن أنهم أحق بالتذلل من المصرين على المعاصي ، فإن استغفارهم ذلك على بصيرة لأنهم نظروا ما له سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم من الآيات والحكم البالغة التي لا تحصى فعلموا أنه أهل لأن يطاع ويخشى فاجتهدوا وتركوا الهجوع ، وأجروا الدموع ، ثم قابلوا ذلك بنعمه فإذا الأعمال في غاية التقصير فأقبلوا على الاستغفار عالمين بأنه لا يمكن أن يقدر حق قدره

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

قوله : { وبالأسحار هم يستغفرون } والأسحار جمع سحر ، وهو بالفتح ، قبيل الصبح {[4331]} وذلك إطراء من الله لعباده المحسنين فهم يستيقظون آخر الليل من وقت السحر ليستعفروا ربهم ويصلوا خاشعين منبين ثم يجتهدون في الدعاء فإن الدعاء مع العبادة .


[4331]:مختار الصحاح ص 288.