في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

95

ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر ؛ والتعرض للفتنة في الدين ؛ والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف ، والنساء والأطفال ؛ فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته . بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار :

( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفوا غفورًا ) . .

ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان ؛ متجاوزا تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين ، وفي بيئة معينة . . يمضي حكما عاما ؛ يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض ؛ وتمسكه أمواله ومصالحه ، أو قراباته وصداقاته ؛ أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها . متى كان هناك - في الأرض في أي مكان - دار للإسلام ؛ يأمن فيها على دينه ، ويجهر فيها بعقيدته ، ويؤدي فيها عباداته ؛ ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله ، ويستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

{ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه ، وذكر الولد إن أريد به المماليك فظاهر ، وإن أريد به الصبيان فللمبالغة في الأمر والإشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة ، فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها وأن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت . { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } صفة للمستضعفين إذ لا توقيت فيه ، أو حال منه أو من المستكن فيه ، واستطاعة الحيلة وجدان أسباب الهجرة وما تتوقف عليه ، واهتداء السبيل معرفة الطريق بنفسه أو بدليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

قوله : { إلاّ المستضعفين } استثناء من الوعيد ، والمعنى إلاّ المستضعفين حقّاً ، أي العاجزين عن الخروج من مكة لقلّة جهد ، أو لإكراه المشركين إيّاهم وإيثاقهم على البقاء : مثل عيّاش بن أبي ربيعة المتقدّم خبره في قوله تعالى : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً } [ النساء : 92 ] ، ومثل سلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد . وفي « البخاري » أنّ رسول الله كان يدعو في صلاة العشاء : « اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة اللهمّ نجّ الوليد بن الوليد ، اللهمّ نجّ سلمة بن هشام اللهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين » . وعن ابن عباس : كنتُ أنا وأميّ من المستضعفين .

والتبيين بقوله : { من الرجال والنساء والولدان } لقصد التعميم . والمقصد التنبيه على أنّ من الرجال مستضعفين ، فلذلك ابتدىء بذكرهم ثم ألحق بذكرهم النساء والصبيان لأنّ وجودهم في العائلة يكون عذراً لوليّهم إذا كان لا يجد حيلة . وتقدّم ذكرهم بقوله تعالى : { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان } [ النساء : 75 ] ، وإعادة ذكرهم هنا ممّا يؤكّد أن تكون الآيات كلّها نزلت في التهيئة لفتح مكة .

وجملة : { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً } حال من المستضعفينَ موضّحة للاستضعاف ليظهر أنّه غير الاستضعاف الذي يقوله الذين ظلموا أنفسهم { كُنَا مستضعفين في الأرض } ، أي لا يستطيعون حيلة في الخروج إمّا لمنع أهل مكة إيّاهم ، أو لفقرهم : { ولا يهتدون سبيلاً } أي معرفة للطريق كالأعمى .