الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

ثم استثنى من أهل الوعيد ، المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج لفقرهم وعجزهم ولا معرفة لهم بالمسالك . وروي : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة ، فقال جندب بن ضمرة أو ضمرة بن جندب لبنيه : احملوني ، فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة . فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم .

فإن قلت : كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد ، كأنهم كانوا يستحقون الوعيد مع الرجال والنساء لو استطاعوا حيلة واهتدوا سبيلاً ؟ قلت : الرجال والنساء قد يكونون مستطيعين مهتدين وقد لا يكونون كذلك .

وأما الولدان فلا يكونون إلا عاجزين عن ذلك ، فلا يتوجه عليهم وعيد ، لأن سبب خروج الرجال والنساء من جملة أهل الوعيد إنما هو كونهم عاجزين ، فإذا كان العجز متمكناً في الولدان لا ينفكون عنه ، كانوا خارجين من جملتهم ضرورة . هذا إذا أريد بالولدان الأطفال ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم في التكليف . وإن أريد بهم العبيد والإماء البالغون فلا سؤال .

فإن قلت : الجملة التي هي { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } ما موقعها ؟ قلت : هي صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان .

وإنما جاز ذلك والجمل نكرات ، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشيء بعينه ، كقوله :

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي ***