الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

قوله تعالى : { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ } : في هذا الاستثناءِ قولان ، أحدهما : أنه متصلٌ ، والمستثنى منه قولُه : { فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } . والضمير يعودُ على المتوفَّيْن ظالمي أنفسِهم ، قال هذا القائل : كأنه قيل : فأولئك في جهنم إلا المستضعفين ، فعلى هذا يكون استثناء متصلاً . والثاني - وهو الصحيح - أنه منقطعٌ ؛ لأن الضمير في " مَأواهم " عائد على قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ } وهؤلاء المتوفَّوْن : إمَّا كفارٌ أو عصاة بالتخلف ، على ما قال المفسرون ، وهم قادرون على الهجرة فلم يندرجْ فيهم المستضعفون فكان منقطعاً . و " من الرجال " حالٌ من المستضعفين ، أو من الضمير المستتر فيهم ، فيتعلَّقُ بمحذوف .

قوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } في هذه الجملة أربعة أوجه ، أحدها : أنها مستأنفةٌ جوابٌ لسؤالٍ مقدر ، كأنه قيل : ما وجهُ استضعافِهم ؟ فقيل : كذا .

والثاني : أنها حالٌ . قال أبو البقاء : " حالٌ مبيِّنة عن معنى الاستضعاف " قلت : كأنه يشير إلى المعنى الذي قَدَّمتْهُ في كونها جواباً لسؤال مقدر . والثالث : أنها مفسرةٌ لنفسِ المستضعفين ؛ لأنَّ وجوه الاستضعاف كثيرة فبيَّن بأحد محتملاتِه كأنه قيل : إلا الذين استُضْعِفوا بسبب عجزهم عن كذا وكذا . والرابع : أنها صفة للمستضعفين أو للرجال ومَنْ بعدَهم ، ذكره الزمخشري ، واعتذر عن وَصْف ما عُرِّف بالألف واللام بالجمل التي في حكم النكرات بأن المُعَرَّف بهما لما لم يكن مُعَيَّناً جاز ذلك فيه كقوله :

ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد قَدَّمْتُ تقرير المسألة مراراً .