{ إلا المستضعفين من الرّجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً } من الرجال جماعة ، كعياش بن أبي زمعة ، وسلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد .
ومن النساء جماعة : كأمّ الفضل أمامة بنت الحرث أم عبد الله بن عباس .
ومن الولدان : عبد الله بن عباس وغيره .
فإنْ أريد بالولدان العبيد والإماء البالغون فلا إشكال في دخولهم في المستثنين ، وإن أريد بالولدان الأطفال فهم لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه عليهم وعيد ، بخلاف الرّجال والنساء قد يكونون عاجزين ، وقد يكونون غير عاجزين .
وإنما ذكروا مع الرّجال والنساء وإنْ كانوا لا يتوجه عليهم الوعيد باعتبار أنَّ عجزهم هو عجز لآبائهم الرّجال والنساء ، لأنَّ من أقوى أسباب العجز وعدم الحنكة وكون الرّجال والنساء مشغولين بأطفالهم ، مشغوفين بهم ، فيعجزون عن الهجرة بسبب خوف ضياع أطفالهم وولدانهم .
فذكر الولدان في المستثنين تنبيه على أعظم طرق العجز للرّجال والنساء ، لأن طرق العجز لا تنحصر ، فنبه بذكر عجز الولدان على قوة عجز الآباء والأمهات بسببهم .
قال الزمخشري : ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرّجال والنساء ، فيلحقوا بهم في التكليف انتهى .
وليس بجيد ، لأنّ المراهق لا يلحق بالمكلف أصلاً ، ولا وعيد عليه ما لم يكلف .
وقيل : يحتمل أن يراد بالمستضعفين أسرى المسلمين الذين هم في أيدي المشركين لا يستطيعون حيلة إلى الخروج ، ولا يهتدون إلى تخليص أنفسهم .
وهذا الاستثناء قال الزجاج : هو من قوله : { مأواهم جهنم } .
قال غيره : كأنه قيل : فأولئك في جهنم إلا المستضعفين ، فعلى هذا استثناء متصل .
والذي يقتضيه النظر أنه استثناء منقطع ، لأن قوله : { إن الذين توفاهم الملائكة } إلى آخره يعود الضمير في مأواهم إليهم .
وهم على أقوال المفسرين إما كفار ، وإما عصاة بالتخلف عن الهجرة وهم قادرون ، فلم يندرج فيهم المستضعفون المستثنون لأنهم عاجزون ، فهو منقطع لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً .
الحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص .
والسبيل هنا طريق المدينة قاله : مجاهد ، والسدي .
قال ابن عطية : والصواب أنه عام في جميع السبل ، يعني المخلصة من دار الكفر انتهى .
وقيل : لا يعرفون طريقاً إلى الخروج ، وهذه الجملة قيل ؛ مستأنفة .
وقال الزمخشري : صفة للمستضعفين ، أو الرّجال والنساء والولدان .
قال : وإنما جاز ذلك والجمل نكرات ، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله :
ولقد أمر على اللئيم يسبني *** انتهى كلامه .
وهو تخريج ذهب إلى مثله بعض النحويين في قوله تعالى : { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } وهو هدم للقاعدة المشهورة : بأن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة .
والذي يظهر أنها جملة مفسرة لقوله : المستضعفين ، لأنها في معنى : «إلا الذين استضعفوا فجاء بياناً وتفسيراً لذلك ، لأنّ الاستضعاف يكون بوجوه ، فبين جهة الاستضعاف النافع في التخلف عن الهجرة وهي عدم استطاعة الحيلة وعدم اهتداء السبيل .
والثاني مندرج تحت الأول ، لأنه يلزم من انتفاء القدرة على الحيلة التي يتخلص بها انتفاء اهتداء السبيل .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مسلمي مكة بهذه الآية ، فقال جندب بن ضمرة الليثي : ويقال : جندع بالعين ، أو ضمرة بن جندب لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة ، وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.