الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا} (98)

ثم استثنى سبحانه مَنْ كان استضعافه حقيقةً مِنْ زَمْني الرجالِ ، وضَعَفَةِ النساءِ ، والولدانِ ؟ قال ابنُ عَبَّاس : " كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ " ، والحِيلَةُ : لفظٌ عامٌّ لأنواع أسبَاب التخلُّص ، والسَّبِيلُ : سبيلُ المدينةِ ، فيما قاله مجاهد وغيره ، والصوابُ : أنه عامٌّ في جميع السُّبُل ، ثم رَجَّى اللَّه تعالى هؤلاءِ بالعَفْو عنهم ، والمُرَاغِمُ : المُتَحَوَّلُ ، والمَذْهَب ، قاله ابن عبَّاس وغيره ، وقال مجاهدٌ : المُرَاغَمُ المتزحْزَحُ عمَّا يُكْرَه ، وقال ابن زيْدٍ : المُرَاغَمُ : المُهَاجَرُ ، وقال السُّدِّيُّ : المُرَاغَمُ : المبتغى للمعيشة .

قال ( ع ) : وهذا كله تَفْسيرٌ بالمعنى ، وأما الخاصُّ بِاللفظة ، فإن المُرَاغَمَ هو موضِعُ المراغَمَةِ ، فلو هاجر أَحَدٌ من هؤلاءِ المَحْبُوسِين بمكَّةَ ، لأرْغَمَ أنُوفَ قريشٍ بحصوله في مَنَعَةٍ منهم ، فتلكَ المَنَعَةُ هي مَوْضِعُ المراغَمَةِ ، قال ابنُ عَبَّاس ، وغيره : السَّعَةُ هنا هي السَّعَةُ في الرِّزْقِ ، وقال مالك : السَّعة : سَعَةُ البلاد .

قال ( ع ) : وهذا هو المُشَبِهُ للفصاحة ، أنْ يريد سعة الأرْضِ ، وبذلك تكونُ السَّعَةُ في الرِّزْق ، واتساع الصَّدْرِ ، وغيرُ ذلك من وجوه الفَرَجِ ، وهذا المعنى ظاهرٌ من قوله تعالى : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة } .

قال مالكُ بْنُ أَنَسٍ ( رحمه اللَّه ) : الآية تُعْطِي أنَّ كلَّ مسلمٍ ينبغي لَهُ أنْ يَخْرُجُ من البلادِ الَّتي تُغَيَّرُ فيها السُّنَنُ ، ويُعْمَلُ فيها بغَيْر الحَقِّ .