في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

ويتقابل الذين يستجيبون مع الذين لا يستجيبون . وتتقابل الحسنى مع سوء العذاب . .

ومع جهنم وبئس المهاد . . على منهج السورة كلها وطريقتها المطردة في الأداء . .

19

والقضية الأولى هي قضية الوحي . وقد أثيرت في صدر السورة . وهي تثار هنا مرة أخرى على نسق جديد

( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ? إنما يتذكر أولو الألباب ) . .

إن المقابل لمن يعلم أن أنزل إليك من ربك هو الحق ليس هو من لا يعلم هذا ، إنما المقابل هو الأعمى ! وهو أسلوب عجيب في لمس القلوب وتجسيم الفروق . وهو الحق في الوقت ذاته لا مبالغة فيه ولا زيادة ولا تحريف . فالعمى وحده هو الذي ينشى ء الجهل بهذه الحقيقة الكبرى الواضحة التي لا تخفى إلا على أعمى . والناس إزاء هذه الحقيقة الكبيرة صنفان : مبصرون فهم يعلمون ، وعمي فهم لا يعلمون ! والعمى عمى البصيرة ، وانطماس المدارك ، واستغلال القلوب ، وانطفاء قبس المعرفة في الأرواح ، وانفصالها عن مصدر الإشعاع . .

إنما يتذكر أولو الألباب . .

الذين لهم عقول وقلوب مدركة تذكر بالحق فتتذكر ، وتنبه إلى دلائله فتتفكر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

{ أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق } فيستجيب . { كمن هو أعمى } عمى القلب لا يستبصر فيستجيب ، والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل . { إنما يتذكّر أولو الألباب } ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

وقوله : { أفمن يعلم } استفهام بمعنى التقرير ، والمعنى : أسواء من هداه الله فعلم صدق نبوتك وآمن بك ، ومن لم يهتد ولا رزق بصيرة فبقي على كفره ، فمثل عز وجل ذلك بالعمى .

وروي أن هذه الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام ، وقيل : في عمار بن ياسر وأبي جهل بن هشام ، وهي بعد هذا مثال في جميع العالم .

و { إنما } في هذه الآية حاصرة ، أي { إنما يتذكر } فيؤمن ويراقب الله من له لب وتحصيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

تفريع على جملة { للذين استجابوا لربهم الحسنى } الآية [ سورة الرعد : 13 ] . فالكلام لنفي استواء المؤمن والكافر في صورة الاستفهام تنبيهاً على غفلة الضالّين عن عدم الاستواء ، كقوله : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ سورة السجدة : 18 ] .

واستعير لمن لا يعلم أنّ القرآن حق اسمُ الأعمى لأنه انتفى علمه بشيء ظاهر بيّن فأشبه الأعمى ، فالكاف للتشابه مستعمل في التماثل . والاستواء المراد به التماثل في الفضل بقرينة ذكر العَمَى . ولهذه الجملة في المعنى اتصال بقوله في أول السورة { والذي أنزل إليك من ربك الحق إلى يؤمنون } [ سورة الرعد : 1 ] .

وجملة { إنما يتذكر أولوا الألباب } تعليل للإنكار الذي هو بمعنى الانتفاء بأن سبب عدم علمهم بالحق أنهم ليسوا أهلاً للتذكر لأن التذكر من شعار أولي الألباب ، أي العقول .

والقصر ب { إنما } إضافي ، أي لا غيرُ أولي الألباب ، فهو تعريض بالمشركين بأنهم لا عقول لهم إذ انتفت عنهم فائدة عقولهم .

والألباب : العقول . وتقدم في آخر سورة آل عمران .