البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

قال ابن عباس : نزلت أفمن يعلم في حمزة وأبي جهل .

وقيل : في عمر بن الخطاب وأبي جهل .

وقيل : في عمار بن ياسر وأبي جهل .

قرأ زيد بن علي : أو من بالواو بدل الفاء ، إنما أنزل مبنياً للفاعل .

ولما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر ، وذكر ما للمؤمن من الثواب ، وما للكافر من العقاب ، ذكر استبعاد من يجعلها سواء وأنكر ذلك فقال : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى أي : ليسا مشتبهين ، لأنّ العالم بالشيء بصير به ، والجاهل به كالأعمى ، والمراد أعمى البصيرة ولذلك قابله بالعلم .

والهمزة للاستفهام المراد به : إنكار أن تقع شبهة بعدما ضرب من المثل في أن حال من علم إنما أنزل إليك من ربك الحق فاستجاب ، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب ، كبعد ما بين الزبد والماء ، والخبث والإبريز .

ثم ذكر أنه لا يتذكر بالموعظة ، وضرب الأمثال إلا أصحاب العقول .

والفاء للعطف ، وقدمت همزة الاستفهام لأنه صدر الكلام والتقدير : فأمن يعلم ، ويبعدها أن يكون فعل محذوف بين الهمزة والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك الفعل ، كما قدره الزمخشري في قوله : { أفلم يسيروا } وقوله : { أفلا يعقلون } وجوزوا في الذين أنْ يكون بدلاً من أولوا ، أو صفة له ، وصفة لمن من قوله : أفمن يعلم وإنما يتذكر اعتراض ، ومبتدأ خبره أولئك لهم عقبى الدار كقوله : { والذين ينقضون عهد الله } ثم قال : { أولئك لهم اللعنة }