في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

ورن في آذانهم صوت لعلهم يذكرون شيئا من نبراته . ولاحت لهم ملامح وجه لعلهم لم يلتفتوا إليها وهم يرونه في سمت عزيز مصر وأبهته وشياته . والتمتع في نفوسهم خاطر من بعيد :

( قالوا : أئنك لأنت يوسف ؟ ) . .

أئنك لأنت ؟ ! فالآن تدرك قلوبهم وجوارحهم وآذانهم ظلال يوسف الصغير في ذلك الرجل الكبير

( قال : أنا يوسف . وهذا أخي . قد من الله علينا . إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) . .

مفاجأة ! مفاجأة عجيبة . يعلنها لهم يوسف ويذكرهم في إجمال بما فعلوه بيوسف وأخيه في دفعة الجهالة . . ولا يزيد . . سوى أن يذكر منة الله عليه وعلى أخيه ، معللا هذه المنة بالتقوى والصبر وعدل الله في الجزاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

{ قالوا أئنك لأنت يوسف } استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه . وقرأ ابن كثير على الإيجاب . قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به ، وقيل تبسم فعرفوه بثناياه . وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها . { قال أنا يوسف وهذا أخي } من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه به ، وتفخيما لشأنه وإدخالا له في قوله : { قد منّ الله علينا } أي بالسلامة والكرامة . { إنه من يتّق } أي يتق الله . { ويصبر } على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي . { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

وقرأت فرقة «أأنك يوسف » بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما «أإنك » ، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية «إنك » ، وقرأ ابن محيصن وقتادة وابن كثير «إنك » على الخبر وتأكيده وقرأ أبي بن كعب «أأنك أو أنت يوسف » قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر «إن » كأنه قال : أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف{[6817]} ؟ وحكى أبو عمرو الداني : أن في قراءة أبي بن كعب : «أو أنت يوسف » وتأولت فرقة ممن قرأ «إنك » إنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام ، فأجابهم يوسف كاشفاً أمره قال : { أنا يوسف وهذا أخي }{[6818]} وقال مجاهد : أراد { من يتق } في ترك المعصية ويصبر في السجن . وقال إبراهيم النخعي : المعنى : { من يتق } الزنى ويصبر على العزوبة .

قال القاضي أبو محمد : ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم ، وإنما قال هذان ما خصصا ، لأنها{[6819]} كانت من نوازله ، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر .

وقرأ الجمهور «من يتق ويصبر » وقرأ ابن كثير وحده : «ومن يتق ويصبر » بإثبات الياء ، واختلف في وجه ذلك ، فقيل : قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة ، وهذا كما قال الشاعر : [ الوافر ]

ألم يأتيك والأنباء تنمي*** بما لاقت لبون بني زياد{[6820]}

قال أبو علي : وهذا مما لا نحمله عليه ، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام ، وقيل : «من » بمعنى الذي و «يتقي » فعل مرفوع ، و «يصبر » عطف على المعنى لأن «من » وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط ، ونحوه قوله تعالى : { فأصدق وأكن }{[6821]} [ المنافقون : 10 ] وقيل : أراد «يصبر » بالرفع لكنه سكن الراء تخفيفاً ، كما قرأ أبو عمرو : { ويأمركم }{[6822]} [ البقرة : 67 ] بإسكان الراء .


[6817]:قال أبو الفتح: "فكأنه قال: بل أنت يوسف، وقد جاء حذف خبر إن كما قال الأعشى: إن محلا وإن مرتحلا وإن في السفر إذ مضى مهلا أراد: إن لنا محلا، وإن لنا مرتحلا، فحذف الخبر، والكوفيون لا يجيزون حذف الخبر إلا إذا كان الاسم نكرة".
[6818]:يظهر أن نقصا حدث في الكلام هنا، ويستدل عليه بالعبارة بعده، ولهذا رجعت إلى البحر فوجدت النص الآتي: "ثم ذكر سبب من الله عليه هو بالتقوى والصبر، والأحسن ألا تخص التقوى بحالة ولا الصبر، وقال مجاهد....".
[6819]:الضمير في (لأنها) يعود على النوازل التي نزلت بيوسف، مثل فتنة الزنى، والصبر على العزوبة، ودخول السجن، وغيرها.
[6820]:البيت لقيس بن زهير، من أبيات تجدها مع قصتها "شرح الشواهد " للسيوطي 113. وتنمي: تسير وتنشر حتى تبلغ، واللبون: جماعة الإبل ذات اللبن، والبيت في سيبويه 2ـ59، والخزانة 3ـ534، وسر صناعة الإعراب 88. والشاهد فيه هو إثبات الياء في الفعل (يأتي) بعد (لم)، وللعلماء في ذلك آراء ذكر منها ابن عطية اثنين، ويضاف إليهما ما قيل من أن الفعل مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة، وهذه الياء الموجودة إشباع.
[6821]:من الآية (10) من سورة (المنافقون).
[6822]:من قوله تعالى في الآية (268) من سورة (البقرة): {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}.