في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

26

فلنمض إلى مشاهد القصة في هذا المجال :

( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل من نار السموم )

وفي هذا الافتتاح يقرر اختلاف الطبيعتين بين الصلصال - وهو الطين اليابس الذي يصلصل عند نقره ، المتخذ من الطين الرطب الآسن - والنار الموسومة بأنها شعواء سامة . . نار السموم . . وفيما بعد سنعلم أن طبيعة الإنسان قد دخل فيها عنصر جديد هو النفخة من روح الله ، أما طبيعة الشيطان فبقيت من نار السموم .

( وإذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين . قال : يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ? قال : لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون . قال : فأخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين )

/خ48

( والجان خلقناه من قبل من نار السموم )

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ والجان } أبا الجن . وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره . { خلقناه من قبل } من قبل خلق الإنسان . { من نار السّموم } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : { من نار } باعتبار الغالب كقوله : { خلقتكم من تراب } ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول للجمع والإحياء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال: {والجان} يعني: إبليس، {خلقناه من قبل} آدم، {من نار السموم}، يعني: صافي ليس فيه دخان، وهو المارج من نار، يعني: الجان...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"والجانّ"... وعُني بالجانّ ههنا: إبليس أبا الجنّ. يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم... واختلف أهل التأويل في معنى: "نارِ السّمُومِ"؛

فقال بعضهم: هي السموم الحارّة التي تقتل...

وقال آخرون: يعني بذلك من لهب النار...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

..."نارِ السّمُومِ"...مأخوذ من دخولها بلطف في مسام البدن، ومنه السم القاتل.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{الجان} يراد به جنس الشياطين، ويسمون: جنة وجاناً لاستتارهم عن العين... و {السموم} -في كلام العرب- إفراط الحر حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح.

وأما إضافة {نار} إلى {السموم} في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعاً، ويكون {السموم} أمراً يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ؛ وإن لم يكن هذا، فيخرج هذا على قولهم: مسجد الجامع، ودار الآخرة، على حذف مضاف.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

... ومساق الآية الكريمة كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين، فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول المواد للجمع والإحياء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف جملة {والجانّ خلقناه} إدماج وتمهيد إلى بيان نشأة العداوة بين بني آدم وجُند إبليس. وأكدت جملة {والجان خلقناه} بصيغة الاشتغال التي هي تقوية للفعل بتقدير نظيره المحذوف، ولما فيها من الاهتمام بالإجمال ثم التفصيل لمثل الغرض الّذي أكدت به جملة {ولقد خلقنا الإنسان} الخ. وفائدة قوله: {من قبل} أي من قبل خلق الإنسان تعليم أن خلق الجانّ أسبق لأنّه مخلوق من عنصر الحرارة والحرارة أسبق من الرطوبة. فكما كَوّن الله الحمأةَ الصلصالَ المسنونَ لخلق الإنسان، كَون ريحاً حارة وجعل منها الجنّ. فهو مكون من حرارة زائدة على مقدار حرارة الإنسان ومن تهوية قويّة. والحكمة كلّها في إتقان المزج والتركيب.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ونعلم أن كلمة (السموم) هي اللهب الذي لا دخان له، ويسمونه "السموم "لأنه يتلصص في الدخول إلى مسام الإنسان. وهكذا نرى أن للعنصر تأثيراً في مقومات حياة الكائنات، فالمخلوق من طين له صفات الطينية، والمخلوق من نار له صفات النارية؛ ولذلك كان قانون الجن أخف وأشد من قانون الإنس. والحق سبحانه يقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (سورة الأعراف 27) وهكذا نعلم أن قانون خلق الجن من عنصر النار التي لا لهب لها يوضح لنا أن له قدرات تختلف عن قدرات الإنسان.

ذلك أن مهمته في الحياة تختلف عن مهمة الإنسان، ولا تصنع له خيرية أو أفضلية، لأن المهام حين تتعدد في الأشياء؛ تمنع المقارنة بين الكائنات...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}، وهو مخلوق حي عاقل يعيش مع الإنسان على الأرض ولكن في مجتمعٍ منفصل عنه، دون أن يبرز أي مظهر من مظاهر حياته أو حركته على الأرض مع الإنسان، إلا في حالاتٍ خاصة، وهو مخلوق كالإنسان تماماً يعقل ويفكر ويتحمل المسؤولية أمام الله في الحياة، ثم يموت ويبعث ليواجه نتائج المسؤولية، لكنه يتميز عن الإنسان بحرية أكبر، لما أودعه الله فيه من خصائص وأسرار، لا نملك إمكانية اكتشافها لمحدودية طاقاتنا وتجاربنا في هذا المجال، كما أننا لا نملك أيّة وثيقةٍ حيّة للوصول إلى ذلك إلا ما عرفنا الله إياه في كتابه، أو ما شرحه النبي في سنته، مما ثبت النقل فيه عنه بشكلٍ موثوق. وقد بيّن الله لنا في هذه الآية، أنه خلق الجان من نار السموم، ولعل المراد بها الريح الحارّة التي تؤثر تأثير السمّ، كما أفاد الراغب في تفسير معناها، مما حوّلها إلى نار، أو جعلها قريبةً إلى النار، ولكن كيف كان ذلك؟ هذا ما لم يبيّن لنا الله أمره. ولكن لماذا بيّن الله لنا هذه الحقيقة التكوينية؟ لعل السبب في ذلك أن إبليس كان من الجن، كما شرح الله لنا في آيةٍ أخرى، وأن شعوره بامتياز مادّة خلقه وهي النار على التراب الذي هو مادة خلق الإنسان، هو الذي جعله يرفض الأمر الإلهي بالسجود للإنسان...