اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

قوله : { والجان خَلَقْنَاهُ } منصوب على الاشتغال ، ورجَّح نصبه ؛ لعطف جملة على جملة فعليةٍ .

والجَّانُّ : أبُو الجنّ ، هو إبليس ؛ كآدم أبي الإنسِ ، وقيل : هو اسمٌ لجنسِ الجن .

وقرأ الحسن{[19521]} : " والجَأن " بالهمز ، وقد تقدّم الكلام في ذلك في أواخر الفاتحة .

فصل

قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- : الجان ِأبو الجن ؛ كما أن آدم أبو البشر ، وهو قول الأكثرين .

وروي أيضاً عن ابن عباسٍ ، والحسن ، ومقاتل ، وقتادة -رضي الله عنهم- : هو إبليس ، خلق قبل آدم{[19522]} .

وقيل : الجانُّ أبو الجن : وإبليس أبو الشياطين ، وفي الجنِّ : مسلمون ، وكافرون ، ويحيون ويموتون ، وأما الشيَّاطين ؛ فليس فيهم مسلمون ، ويموتون إذا مات إبليس .

وذكر وهبٌ : أنَّ من الجن من يولد له ، ويأكلُونَ ، ويشربون بمنزلة الآدميِّين ، ومن الجن من هم بمنزلةِ الرِّيح : لا يتوالدون ، ولا يأكلون ، ولا يشربون .

قال ابن الخطيب{[19523]} : " والأصحُّ أن الشياطين قسمٌ من الجن ، فمن كان منهم مؤمنٌ ، فإنه لا يسمَّى بالشيطان ، ومن كان منهم كافرٌ ، سمِّي بهذا الاسم . وسمُّوا جنًّا ؛ لاستتارهم عن الأعين ، ومنه يسمَّى الجنينُ ؛ لاستتاره عن الأعين ، في بطن أمِّه ، والجنَّةُ : ما تَقِي صاحبها ، وتستره ، ومنه سمِّيت الجنة ؛ لاستتارها بالأشجار " .

قوله تعالى : { مِن قَبْلِكَ } ، و " مِن نَارٍ " متعلقان ب : " خَلَقْنَاهُ " ؛ لأنَّ الأولى لابتداءِ الغاية ، والثانية للتبعيض ، وفيه دليلٌ على أنَّ " مِنْ " لابتداءِ الغاية في الزمان ، وتأويل البصريين له ، ولنظائره بعيد .

فصل

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : " يريد قبل خلق آدم صلوات الله وسلامه عليه " {[19524]} والسَّمومُ : ما يقتل من إفراطِ الحرّ من شمس ، أو ريح ، أو نار ؛ لأنها تدخل المسامَّ فتَقْتلُ .

قيل : سُمِّيت سمُوماً ؛ لأنها بلطفها تدخل في مسامِّ البدن ، وهي الخروقُ الخفيَّة التي تكون في جلد الإنسان ، يبرز منها عرقه وبخار بطنه .

وقيل : السَّمومُ ما كان ليلاً ، والحرورُ ما كان نهاراً . وعن ابن عباس : نارٌ لا دخان لها{[19525]} .

قال أبو صالح : والصَّواعِقُ تكون منها ، وهي نار بين السماء وبين الحجاب ، فإذا أحدث الله أمراً ، خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت به ، فالهَدَّةُ التي تسمعون ؛ خرق ذلك الحجاب .

وقيل : نار السموم : لهب النَّار . وقيل : نارُ جهنَّم .

وروى الضحاك ، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- : كان إبليس من جنسِ من الملائكة ، يقال لهم الجن ، خلقوا من نارِ السَّمومِ ، وخلقت الجنُّ الذين ذكروا من مارج من نارِ ، والملائكة خلقوا من نورٍ{[19526]} .

وقيل : { مِن نَّارِ السموم } من إضافةِ الموصوف لصفته .


[19521]:وقر، بها أيضا عمرو بن عبيد ينظر: الكشاف 2/576 وينظر: المحرر الوجيز 3/359 والدر المصون 4/296.
[19522]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/513) عن قتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/183) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره البغوي في "تفسيره" (3/49).
[19523]:ينظر: الفخر الرازي 19/143.
[19524]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (10/17).
[19525]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/49).
[19526]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/514) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/183) وعزاه إلى الطبري.