إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ والجان } أبا الجن وقيل : إبليس ، ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واجدة كان الجنس بأسره مخلوقاً منها ، وقرئ بالهمزة وانتصابه بفعل يفسره { خَلَقْنَاهُ } وهو أقوى من الرفع للعطف على الجملة الفعلية { مِن قَبْلُ } من قبل خلق الإنسان ، ومن هذا يظهر جواز كون المراد بالمستقدمين أحد الثقلين وبالمستأخرين الآخر ، والخطاب بقوله : منكم للكل { مِن نَّارِ السموم } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا امتناع من خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا امتناع من خلقها في الجواهر المجردة ، فضلاً عن الأجسام المؤلفة التي غالب أجزائها الجزء الناري فإنها أقبل لها من التي غالب أجزائها الجزء الأرضي ، وقوله تعالى { من نار } باعتبار الغالب كقوله تعالى : { خلقكم من تراب } ومساق الآية الكريمة كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين ، فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول المواد للجميع والإحياء .