في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (26)

ثم يقفهم أمام منطق فطرتهم ، حين تواجه الكون ، فلا تجد مناصا من الاعتراف بالحقيقة الكامنة فيها وفي فطرة الكون على السواء ؛ ولكنهم يزيغون عنها وينحرفون ، ويغفلون منطقها القويم :

( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ? ليقولن : الله . قل : الحمد لله . بل أكثرهم لا يعلمون . لله ما في السماوات والأرض . إن الله هو الغني الحميد ) . .

وما يملك الإنسان حين يستفتي فطرته ويعود إلى ضميره أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة الناطقة . فهذه السماوات والأرض قائمة . مقدرة أوضاعها وأحجامها وحركاتها وأبعادها ، وخواصها وصفاتها . مقدرة تقديرا يبدو فيه القصد ، كما يبدو فيه التناسق . وهي قبل ذلك خلائق لا يدعي أحد أنه خلقها ؛ ولا يدعي أحد أن خالقا آخر غير الله شارك فيها ؛ ولا يمكن أن توجد هكذا بذاتها . ثم لا يمكن أن تنتظم وتتسق وتقوم وتتناسق بدون تدبير ، وبدون مدبر . والقول بأنها وجدت وقامت تلقائيا أو فلتة أو مصادفة لا يستحق احترام المناقشة . فضلا على أن الفطرة من أعماقها تنكره وترده .

وأولئك الذين كانوا يواجهون عقيدة التوحيد بالشرك ؛ ويقابلون دعوة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالجدال العنيف ؛ لم يكونوا يستطيعون أن يزيفوا منطق فطرتهم حين تواجه بالدليل الكوني الممثل في وجود السماوات والأرض ، وقيامهما أمام العين ، لا تحتاجان إلى أكثر من النظر !

ومن ثم لم يكونوا يتلجلجون في الجواب : لو سئلوا : ( من خلق السماوات والأرض ? )وجوابهم : ( الله ) . . لذلك يوجه الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ليعقب على جوابهم هذا بحمد الله : ( قل : الحمد لله ) . . الحمد لله على وضوح الحق في الفطرة ، والحمد لله على هذا الإقرار القهري أمام الدليل الكوني . والحمد لله على كل حال . ثم يضرب عن الجدل والتعقيب بتعقيب آخر : ( بل أكثرهم لا يعلمون ) . . ومن ثم يجادلون ويجهلون منطق الفطرة ، ودلالة هذا الكون على خالقه العظيم .

وبمناسبة إقرار فطرتهم بخلق الله للسماوات والأرض يقرر كذلك ملكية الله المطلقة لكل ما في السماوات والأرض . ما سخره للإنسان وما لم يسخره . وهو مع ذلك الغني عن كل ما في السماوات والأرض ، المحمود بذاته ولو لم يتوجه إليه الناس بالحمد :

( لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (26)

{ لله ما في السماوات والأرض } لا يستحق العبادة فيهما غيره { إن الله هو الغني } عن حمد الحامدين { الحميد } المستحق للحمد وإن لم يحمد .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم عظم نفسه عز وجل، فقال: {لله ما في السماوات والأرض} من الخلق، عبيده، وفي ملكه.

{إن الله هو الغني} عن عبادة خلقه {الحميد} عند خلقه في سلطانه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ" يقول تعالى ذكره: لله كلّ ما في السموات والأرض من شيء ملكا كائنا ما كان ذلك الشيء من وثن وصنم وغير ذلك، مما يعبد أو لا يعبد. "إنّ الله هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ "يقول: إن الله هو الغنيّ عن عبادة هؤلاء المشركين به الأوثان والأنداد، وغير ذلك منهم ومن جميع خلقه، لأنهم ملكه وله، وبهم الحاجة إليه. "الحميد" يعني المحمود على نعمه التي أنعمها على خلقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

كأنه يخبرهم، ويذكر أن ما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن، لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه، ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم، إذ من بلغ ملكه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السماوات والأرض لا يحتمل أن يأمر الخلق، وينهى، أو يمتحن، لحاجة نفسه ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ودفع المضرة.

ويحتمل أنه يذكرهم نعمه عليهم ليستأدي به شكره حين سخر لهم ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما وحقيقة ملك ذلك كله له.

{الحميد} قيل: أهل أن يحمد ويشكر لذاته، وقيل: {الحميد} في فعاله وصنائعه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِنَّ الله هُوَ الغني} عن حمد الحامدين المستحق للحمد، وإن لم يحمدوه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة و {الغني} الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، و {الحميد} المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أثبت لنفسه سبحانه الإحاطة بأوصاف الكمال، شرع يستدل على ذلك، فقال مبيناً أن ما أخبر أنه صنعه فهو له: {لله} أي الملك الأعظم المحيط بجميع أوصاف الكمال خاصة دون غيره {ما في السماوات} كلها. ولما تحرر بما تقدم أنهم عالمون مقرون بما يلزم عنه وحدانيته، لم يؤكد بإعادة {ما} والجار، بل قال: {والأرض} أي كلها كما كانتا مما صنعه، فلا يصح أن يكون شيء من ذلك له شريكاً.

ولما ثبت ذلك أنتج قطعاً قوله: {إن الله} أي الملك الأعظم {هو} أي وحده، وأكد لأن ادعائهم الشريك يتضمن إنكار غناه، ولذلك أظهر موضع الإضمار إشارة إلى أن كل ما وصف به فهو ثابت له مطلقاً من غير تقييد بحيثيته {الغني} مطلقاً، لأن جميع الأشياء له ومحتاجة إليه، وليس محتاجاً إلى شيء أصلاً. ولما كان الغني قد لا يوجب الحمد لله: {الحميد} أي المستحق لجميع المحامد، لأنه المنعم على الإطلاق، المحمود بكل لسان ألسنة الأحوال والأقوال، ولو كان نطقها ذماً فهو حمد من حيث إنه هو الذي أنطقها، ومن قيد الخرس أطلقها.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{الْحَمِيدُ} أي المحمود فيما خلق وشرع، بلسان الحال والمقال.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

ثم أخبر تعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومن البديهي أنّ الخالق والمالك يكون مدبّراً لأمر العالم أيضاً، وبهذا تثبت أركان التوحيد الثلاثة، وهي: «توحيد الخالقية» و «توحيد المالكية» و «توحيد الربوبية». والذي يكون على هذا الحال فإنّه غنيّ عن كلّ شيء، وأهل لكلّ حمد وثناء إنّه غنيّ على الإطلاق، وحميد من كلّ جهة، لأنّ كلّ موهبة في هذا العالم تعود إليه، وكلّ ما يملكه الإنسان فانّه صادر منه وخزائن كلّ الخيرات بيده، وهذا دليل حيّ على غناه. ولمّا كان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره، وكلّ حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه، فإنّ كلّ حمد وثناء منه.