في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ} (47)

23

ثم يجمل قصة موسى في الرسالة والتكذيب لتتمشى مع نسق العرض وهدفه المقصود :

ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وبسلطان مبين ، إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين . فقالوا : أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ? فكذبوهما فكانوا من المهلكين .

ويبرز في هذا الاستعراض الاعتراض ذاته على بشرية الرسل : ( فقالوا : أنؤمن لبشرين مثلنا ) . ويزيد عليه تلك الملابسة الخاصة بوضع بني إسرائيل في مصر : ( وقومهما لنا عابدون )مسخرون خاضعون . وهي أدعى - في اعتبار فرعون وملئه - إلى الاستهانة بموسى وهارون !

فأما آيات الله التي معهما ، وسلطانه الذي بأيديهما ، فكل هذا لا إيقاع له في مثل تلك القلوب المطموسة ، المستغرقة في ملابسات هذه الأرض ، وأوضاعها الباطلة ، وقيمها الرخيصة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ} (47)

{ فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا } ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله { بشرا سويا } كما يطلق للجمع كقوله : { فإما ترين من البشر أحدا } ولم يئن المثل لأنه في حكم المصدر ، وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل ، فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما ، وكما ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفك برادة ، يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال ، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } { وقومهما } يعني بني إسرائيل . { لنا عابدون } خادمون منقادون كالعباد .