في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ} (67)

46

ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم في إعطائهم هذا الحرم الآمن الذي يعيشون فيه ؛ فلا يذكرون نعمة الله ولا يشكرونها بتوحيده وعبادته . بل إنهم ليروعون المؤمنين فيه :

أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ? . .

ولقد كان أهل الحرم المكي يعيشون في أمن ، يعظمهم الناس من أجل بيت الله ، ومن حولهم القبائل تتناحر ، ويفزع بعضهم بعضا ، فلا يجدون الأمان إلا في ظل البيت الذي آمنهم الله به وفيه . فكان عجيبا أن يجعلوا من بيت الله مسرحا للأصنام ، ولعبادة غير الله أيا كان ! ( أفبالباطل يؤمنون ? وبنعمة الله يكفرون ? )

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ} (67)

ولما كان قد فعل بهم سبحانه من الأمن الشديد المديد في البر دون سائر العرب عكس ما ذكر من حال خوفهم الشديد في البحر ، وكان قادراً على إخافتهم في البر كما قدر على إخافتهم في البحر ليدوم إخلاصهم ، وكان كفرهم عند الأمن بعد الإخلاص عند الخوف - مع أنه أعظم النقائص - هزلاً لا يفعله إلا من أمن مثل تلك المصيبة في البر ، توجه الإنكار في نحو أن يقال : ألم يروا أنا قادرون على إخافتهم وإهلاكهم في البر كما نحن قادرون على ذلك في البحر كما فعلنا بغيرهم ، فعطف عليه قوله : { أولم يروا } أي بعيون بصائرهم { أنا جعلنا } أي بعظمتنا لهم { حرماً } وقال تعالى : { آمناً } لأنه لا خوف على من دخله ، فلما أمن كل حالّ به كان كأنه هو نفس الأمن ، وهو حرم مكة المشرفة ، وأمنه موجب للتوحيد والإخلاص ، رغبة في دوامه ، وخوفاً من انصرامه ، كما كان الخوف في البحر موجباً للإخلاص خوفاً من دوامه ، ورغبة في انصرامه { و } الحال أنه { يتخطف } وبناه للمفعول لأن المقصود الفعل لا فاعل معين .

ولما كان التخطف غير خاص بناس دون آخرين ، بل كان جميع العرب يغزو بعضهم بعضاً ، ويغير بعضهم على بعض بالقتل والأسر والنهب وغير ذلك من أنواع الأذى ، قال : { الناس من حولهم } أي من حول من فيه من كل جهة تخطفَ الطيور مع قلة من بمكة وكثر من حولهم ، فالذي خرق العادة في فعل ذلك حتى صار على هذا السنن قادر على أن يعكس الحال فيجعل من بالحرم متخطفاً ومن حوله آمناً ، أو يجعل الكل في الخوف على منهاج واحد .

ولما تبين أنه لا وجه لشركهم ولا لكفرهم هذه النعمة الظاهرة المكشوفة ، تسبب الإنكار في قوله : { أفبالباطل } أي خاصة من الأوثان وغيرها { يؤمنون } والحال أنه لا يشك عاقل في بطلانه ، وجاء الحصر من حيث أن من كفر بالله تبعه الكفر بكل حق والتصديق بكل باطل { وبنعمة الله } التي أحدثها لهم من الإنجاء وغيره { يكفرون* } حيث جعلوا موضع شكرهم له على النجاه شركهم بعبادة غيره .