في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا} (19)

وأمام هذا الهول الذي يتمثل في الكون كما يتمثل في النفس يلمس قلوبهم لتتذكر وتختار طريق السلامة . . طريق الله . .

إن هذه تذكره ، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا . .

وإن السبيل إلى الله لآمن وأيسر ، من السبيل المريب ، إلى هذا الهول العصيب !

وبينما تزلزل هذه الآيات قوائم المكذبين ، تنزل على قلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والقلة المؤمنة المستضعفة إذ ذاك بالروح والثقة واليقين . إذ يحسون أن ربهم معهم ، يقتل أعدائهم وينكل بهم . وإن هي إلا مهلة قصيرة ، إلى أجل معلوم . ثم يقضى الأمر ، حينما يجيء الأجل ويأخذ الله أعداءه وأعداءهم بالنكال والجحيم والعذاب الأليم .

إن الله لا يدع أولياءه لأعدائه . ولو أمهل أعداءه إلى حين . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا} (19)

يقول تعالى : { إِنَّ هَذِهِ } أي : السورة { تَذْكِرَةٌ } أي : يتذكر بها أولو الألباب ؛ ولهذا قال : { فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا } أي : ممن شاء الله هدايته ، كما قيده في السورة الأخرى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ الإنسان : 30 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا} (19)

تذييل أي تذكرة لمن يتذكر فإن كان من منكري البعث آمن به وإن كان مؤمناً استفاق من بعض الغفلة التي تعرض للمؤمن فاستدرك ما فاته ، وبهذا العموم الشامل لأحوال المتحدث عنهم وأحوال غيرهم كانت الجملة تذييلاً .

والإِشارة ب { هذه } إلى الآيات المتقدمة من قوله : { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } [ المزمل : 15 ] .

وتأكيد الكلام بحرف التأكيد لأن المواجَهين به ابتداءً هم منكرون كون القرآن تذكرة وهدًى فإنهم كذبوا بأنه من عند الله ووسموه بالسحر وبالأساطير ، وذلك من أقوالهم التي أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبر عليها قال تعالى : { واصبر على ما يقولون } [ المزمل : 10 ] .

والتذكِرة : اسم لمصدر الذُكر بضم الذال ، الذي هو خطور الشيء في البال ، فالتذكرة : الموعظة لأنه تذكر الغافل عن سوء العواقب ، وهذا تنويه بآيات القرآن وتجديد للتحريض على التدبر فيه والتفكر على طريقة التعريض .

وفرع على هذا التحريض التعريضيَّ تحريضٌ صريح بقوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً } أي من كان يريد أن يتخذ إلى ربّه سبيلاً فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة فلم تَبق للمتغافل معذرة .

والإِتيان بموصول { من شاء } من قبيل التحريض لأنه يقتضي أن هذا السبيل موصل إلى الخير فلا حائل يحول بين طالب الخير وبين سلوك هذا السبيل إلاّ مشيئته ، لأن قوله : { إن هذه تذكرة } قرينة على ذلك . ومن هذا القبيل قوله تعالى : { وقل الحقُ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف : 29 ] . فليس ذلك إباحةً للإِيمان والكفر ولكنه تحريض على الإِيمان ، وما بعده تحذير من الكفر ، أي تبعة التفريط في ذلك على المفرط . ولذلك قال ابن عطية : ليس معناه إباحة الأمر وضده بل يتضمن معنى الوعد والوعيد .

وفي تفسير ابن عرفة الذي كان بعض شيوخنا يحملها على أنه مخير في تعيين السبيل فمتعلق التخيير عنده أن يبين سبيلاً ما من السُبل قال : وهو حسن ، فيبقى ظاهر الآية على حاله من التّخيير اه .

وقد علمت ممّا قرّرناه أنه لا حاجة إليه وأن ليس في الآية شيء بمعنى التخيير . وفي قوله : { إلى ربّه } تمثيل لحال طالب الفوز والهُدى بحال السائر إلى ناصر أو كريم قد أريَ السبيلَ الذي يبلِّغه إلى مقصده فلم يبق له ما يعوقه عن سلوكه .