التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا} (19)

15

بيان مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم

وفي الآية الأخيرة شرح موجز وضمني لمهمة الرسول ومداها . فالرسول مذكر وداع إلى الله . والناس بعد ذلك موكولون على قابلية الاختيار وقوة التمييز اللتين أودعهما الله فيهم فمن شاء اختيار طريق الهدى واتخذ إلى ربه سبيلاً فكان سعيداً ناجياً . وهكذا تكون الآية في نفس الوقت قد تضمنت تقرير قابلية الإنسان وقدرته على التمييز والاختيار . وهذا وذاك من المبادئ القرآنية المحكمة التي تكرر تقريرها بأساليب متنوعة على ما ستشير إليه في مناسباته . وهو المتسق مع حكمة الله في إرسال الرسل وتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين كما هو واضح .

ولقد رأينا المستشرق الطلياني كايتاني في كتابه " تاريخ الإسلام " يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم نفسه كرسول من الله في أوائل دعوته ، تهيباً وتحفظاً ، وأنه اكتفى بقوله إنه نذير لهم مع صراحة ذكر نعته بالرسول في هذه الآيات التي وردت في سورة من أبكر السور نزولاً . هذا بالإضافة إلى أن القرآن استعمل كلمات نذير وبشير ونبي ورسول في مقامات متجانسة وفي آيات مبكرة ومتأخرة ومكية ومدنية ووصف النبي في آية مبكرة مكية بوصف الرسول النبي الأمي كما جاء في آية سورة الأعراف( 157 ) كما وصف بهما في آيات عديدة أخرى ضمنا وصراحة ومقارنة على ما سوف يأتي التنبيه إليه بعد مما يدل على أن الاستعمال كان متسقاً مع ما تقتضيه حكمة الخطاب والأسلوب . ولقد جمعت هذه الصفات جميعها للنبي صلى الله عليه وسلم في آية سورة المائدة هذه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 19 ) } وهذا من غرائب مفارقات المستشرقين ومثل على إرسالهم الكلام جزافا .