في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

46

ومع هذه الآيات المبينات يوجد ذلك الفريق من الناس . فريق المنافقين ، الذين كانوا يظهرون الإسلام ولا يتأدبون بأدب الإسلام :

( ويقولون : آمنا بالله وبالرسول وأطعنا . ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك . وما أولئك بالمؤمنين . وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون . وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين . أفي قلوبهم مرض ? أم ارتابوا ? أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ? بل أولئك هم الظالمون ) . .

إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك . والإسلام عقيدة متحركة ، لا تطيق السلبية . فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج ؛ ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في عالم الواقع . ومنهج الإسلام الواضح في التربية يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية واقعية ؛ وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة أو قانون . مع استحياء الدافع الشعوري الأول في كل حركة ، لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصيل .

وهؤلاء كانوا يقولون : ( آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ) . . يقولونها بأفواههم ، ولكن مدلولها لا يتحقق في سلوكهم . فيتولون ناكصين ؛ يكذبون بالأعمال ما قالوه باللسان : ( وما أولئك بالمؤمنين )فالمؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم . والإيمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها ؛ ثم يدعها ويمضي . إنما هو تكيف في النفس ، وانطباع في القلب ، وعمل في الواقع ، ثم لا تملك النفس الرجوع عنه متى استقرت حقيقته في الضمير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

يخبر تعالى عن صفات المنافقين ، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون ، يقولون قولا بألسنتهم : { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ } أي : يخالفون أقوالهم بأعمالهم ، فيقولون ما لا يفعلون ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

وقوله تعالى : { ويقولون آمنا بالله } الآية نزلت في المنافقين وسببها فيما روي أن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المنافق مبطلاً فأبى من ذلك ودعا اليهود إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية فيه{[8749]} .

وأسند الزهراوي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال من دعاه خصمه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم .


[8749]:أخرجه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر ذلك النيسابوري في أسباب النزول، وذكر أن هذه القصة هي أيضا سبب نزول قوله تعالى في سورة النساء: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}، وأخرجه ابن جرير عن الربيع بن أنس، كما أخرجه الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما. (الدر المنثور، وأسباب النزول).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويقول المنافقون: صدّقنا بالله وبالرسول وأطعنا الله وأطعنا الرسول. "ثُمّ يَتَوَلّى فريق مِنْهُمْ "يقول: ثم تُدْبِر كلّ طائفة منهم من بعد ما قالوا هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدعو إلى المحاكمة إلى غيره خصمَها. "وَما أُولَئِكَ بالمُؤْمِنِينَ" يقول: وليس قائلو هذه المقالة، يعني قوله: "آمَنّا باللّهِ وَبالرّسُولِ وأطَعْنا" بالمؤمنين، لتركهم الاحتكام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعراضهم عنه إذا دُعُوا إليه..

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قيل إنها نزلت في صفة المنافقين، لأنهم يقولون بألسنتهم: آمنا بالله وصدقنا رسوله، فإذا انصرفوا إلى أصحابهم قالوا خلاف ذلك، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء ليسوا بمؤمنين على الحقيقة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَا أُوْلَئِكَ بالمؤمنين} إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا. أو إلى الفريق المتولي، فمعناه على الأوّل: إعلام من الله بأنّ جميعهم منتف عنهم الإيمان لا الفريق المتولي وحده. وعلى الثاني: إعلام بأن الفريق المتولي لم يكن ما سبق لهم من الإيمان إيماناً، إنما كان ادّعاء باللسان من غير مواطأة القلب؛ لأنه لو كان صادراً عن صحة معتقد وطمأنينة نفس لم يتعقبه التولي والإعراض. والتعريف في قوله: {بالمؤمنين} دلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفت: وهم الثابتون المستقيمون على الإيمان، والموصوفون في قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} [الحجرات: 15].

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وما أولئك بالمؤمنين} يدل على أن الإيمان لا يكون بالقول، إذ لو كان به لما صح أن ينفي كونهم مؤمنين. وقد فعلوا ما هو إيمان في الحقيقة، فإن قيل إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون آمنا، ثم حكى عن فريق منهم التولي فكيف يصح أن يقول في جميعهم {وما أولئك بالمؤمنين} مع أن الذي تولى منهم هو البعض؟ قلنا إن قوله: {وما أولئك بالمؤمنين} راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى، وأيضا فلو رجع إلى الأول يصح ويكون معنى قوله: {ثم يتولى فريق منهم} أي يرجع هذا الفريق إلى الباقين منهم فيظهر بعضهم لبعض الرجوع عما أظهروه.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{ثم يتولى} بالامتناع عن قبول حكمه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان إخفاء هذه الآيات عن البعض بعد بيانها أعجب من ابتداء نصبها، فكان السياق ظاهراً في أن التقدير: والله يضل من يشاء فيكفرون بالآيات والذكر الحكيم، وكان الخروج من نورها بعد التلبس بها إلى الظلام أشد غرابة، عطف على ما قدرته مما دل عليه السياق أتم دلالة قوله دليلاً شهودياً على ذلك مطوي، معجباً ممن عمي عن دلائل التوحيد التي أقامها تعالى وعددها وأوضحها بحيث صارت كما ذكر تعالى أعظم من نور الشمس: {ويقولون} أي الذين ظهر لهم نور الله، بألسنتهم فقط: {آمنا بالله} الذي أوضح لنا جلاله، وعظمته وكماله {وبالرسول} الذي علمنا كمال رسالته وعمومها بما أقام عليها من الأدلة {وأطعنا} أي أوجدنا الطاعة لله وللرسول، وعظم المخالفة بين الفعل والقول بأداة البعد فقال: {ثم يتولى} أي يرتد بإنكار القلب ويعرض عن طاعة الله ورسوله، ضلالاً منهم عن الحق {فريق منهم} أي ناس يقصدون الفرقة من هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة.

ولما كان ينبغي أن يكون وقوع الارتداد منهم -كما أشير إليه- في غاية البعد وإن كان في أقل زمن، أشار إليه بأداة التراخي، وأكد ذلك بقوله مثبتاً الجارّ: {من بعد ذلك} أي القول السديد الشديد المؤكد، مع الله الذي هو أكبر من كل شيء، ومع رسوله الذي هو أشرف الخلائق {وما أولئك} أي البعداء البغضاء الذين صاروا بتوليهم في محل البعد {بالمؤمنين} أي بالكاملين في الإيمان قولاً وعقداً، وإنما هم من أهل الوصف اللساني، المجرد عن المعنى الإيقاني.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك. والإسلام عقيدة متحركة...

وهؤلاء كانوا يقولون: (آمنا بالله وبالرسول وأطعنا).. يقولونها بأفواههم، ولكن مدلولها لا يتحقق في سلوكهم. فيتولون ناكصين؛ يكذبون بالأعمال ما قالوه باللسان: (وما أولئك بالمؤمنين) فالمؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم. والإيمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها؛ ثم يدعها ويمضي. إنما هو تكيف في النفس، وانطباع في القلب، وعمل في الواقع...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقد أشارت الآية إلى المنافقين عامة، ثم إلى فريق منهم أظهروا عدم الرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فكلا الفريقين موسوم بالنفاق، ولكن أحدهما استمر على النفاق والمواربة وفريقاً لم يلبثوا أن أظهروا الرجوع إلى الكفر بمعصية الرسول علناً. ففي قوله: {يقولون} إيماء إلى أن حظهم من الإيمان مجرد القول دون الاعتقاد كما قال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخلِ الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14]. وعبر بالمضارع لإفادة تجدد ذلك منهم واستمرارهم عليه لما فيه من تكرر الكذب ونحوه من خصال النفاق.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ومن خلال ذلك، نستطيع أن نفهم أن الإيمان ليس كلمةً، وليس موقفاً ظاهرياً، بل هو عمق فكري وروحي وعملي يتجسد في موقف وحركة والتزام. لهذا نفت الآية صفة الإيمان عن هؤلاء، لتثبتها فيما بعد للملتزمين بالخط، الثابتين عليه. وتمضي الآيات في إبراز بعض ملامح هذا الاهتزاز العملي الذي يوحي بفقدان القاعدة الفكرية للانتماء.