روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

{ وَيَقُولُونَ ءامَنَّا بالله وبالرسول } شروع في بيان أحوال بعض من لم يشأ الله تعالى هدايته إلى صراط مستقيم وهم صنف من الكفرة الذي سبق وصف أعمالهم . أخرج ابن المنذر . وغيره عن قتادة أنها نزلت في المنافقين وروى عن الحسن نحوه ، وقيل نزلت في بشر المنافق دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا هو اليهودي إلى كعب بن الأشرف ثم تحاكما إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه عليه الصلاة والسلام وقال : نتحاكم إلى عمر رضي الله تعالى عنه فلما ذهبا إليه قال له اليهودي : قضى لي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ فقال : نعم فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل رضي الله تعالى عنه بيته وخرج بسيفه فضرب عنق ذلك المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت ، وقال جبريل عليه السلام : إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمى لذلك الفاروق ، وروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .

وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي كرم الله تعالى وجهه خصومة في أرض فتقاسما فوقع لعلي ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة فقال المغيرة : بعني أرضك فباعهاأياه وتقابضا فقيل للمغيرة : أخذت سبخة لا ينالها الماء فقال لعلي كرم الله تعالى وجهه : اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فإن الماء لا ينالها فقال علي : قد اشتريت ورضيتها وقبضتها وأنت تعرف حالها لا أقبلها منك ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما محمد فلست آتيه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت ، وعلى هذا وما قبهل جميع الضمير لعموم الحكم أو لأن مع القائل طائفة يساعدونه ويشايعونه في تلك المقالة كما في قولهم بنو فلان قتلوا قتيلاً والقاتل واحد منهم ، وإعادة الباء للمبالغة في دعوى الإيمان وكذا التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسول وقولهم مع ذلك { وَأَطَعْنَا } أي وأطعنا الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي { ثُمَّ يتولى } أي يعرض عما يقتضيه هذا القول من قبول الحكم الشرعي عليه { فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذلك } أي من بعدما صدر عنهم من ادعاء الإيمان بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم والطاعة لهما ، وما في ذلك من معنى البعد للإيذان بكونه أمراً معتداً به واجب المراعاة { وَمَا أُوْلَئِكَ } إشارة إلى القائلين { مِنَ } الخ وهم المنافقون جميعهم لا إلى الفريق المتولى منهم فقط ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الكفر والفساد أي وما أولئك الذين يدعون الإيمان والطاعة ثم يتولى بعضهم الذين يشاركونهم في العقد والعمل { بالمؤمنين } أي المؤمنين حقيقة كما يعرب عنه اللام أي ليسوا بالمؤمنين المعهودين بالإخلاص والثبات عليه ، ونفي الإيمان بهذا المعنى عنهم مقتض لنفيه عن الفريق على أبلغ وجه وآكده ولذا اختير كون الإشارة إليهم ، وجوز أن تكون للفريق على أن المراد بهم فرق منافقون ، وضمير { يَقُولُونَ } للمؤمنين مطلقاً ، والحكم على أولئك الفريق بنفي الإيمان لظهور أمارة التكذيب الذي هو التولي منهم ، و { ثُمَّ } على هذا حسبما قرره الطيبي للاستبعاد كأنه قيل كيف يدخلون في زمرة المؤمنين الذين يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يعرضون ويتجاوزون عن الفريق المؤمنين ويرغبون عن تلك المقالة وهذا بعيد عن العاقل المميز ، وعلى الأول حسبما قرره أيضاً للتراخي في الرتبة إيذاناً بارتفاع درجة كفر الفريق المتولى عنهم انحطاط درجة أولئك .

وفي «الكشف » أن الكلام على تقدير كون الإشارة إلى القائلين لا إلى الفريق المتوفي وحده كالاستدراك وفيه دلاله على توغل المتولين في الكفر وأصل الكفر وشامل للطائفتين ، وأما على تقدير اختصاص الإشارة بالمتولين فائدة { ثُمَّ } استبعاد التولي بعد تلك المقالة ، وفائدة الأخبار إظهار أنهم لم يثبتوا على قولهم كأنه قيل : يقولون هذا يوجد فيهم ما يضاده فلا يكون في دليل خطابه أن غيرهم مؤمن انتهى ، وعليه فضمير { يَقُولُونَ } للمنافقين الشاملين للفريق المتولي لا للمؤمنين مطلقاً على الوجهين فتأمل .

ومن باب الإشارة :وفي قوله تعالى : { وَيِقُولُونَ امَنَّا بالله وبالرسول } [ النور : 47 ] الآيات إشارة إلى أحوال المنكرين في القلب على المشايخ وأحوال المصدقين بهم قلباً وقالباً