مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

قوله تعالى : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون } .

اعلم أنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالدين بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال مقاتل : نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهوديا في أرض وكان اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما ، وجعل المنافق يجره إلى كعب ابن الأشرف ، ويقول إن محمدا يحيف علينا وقد مضت قصتهما في سورة النساء ، وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما فوقع إلى علي منها ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة ، فقال المغيرة بعني أرضك فباعها إياه وتقابضا فقيل للمغيرة أخذت سبخة لا ينالها الماء . فقال لعلي اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فلا ينالها الماء ، فقال علي بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها لا أقبلها منك ، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المغيرة أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت هذه الآية ، وقال الحسن نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر .

المسألة الثانية : قوله : { ويقولون آمنا } إلى قوله : { وما أولئك بالمؤمنين } يدل على أن الإيمان لا يكون بالقول إذ لو كان به لما صح أن ينفي كونهم مؤمنين . وقد فعلوا ما هو إيمان في الحقيقة ، فإن قيل إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون آمنا ، ثم حكى عن فريق منهم التولي فكيف يصح أن يقول في جميعهم { وما أولئك بالمؤمنين } مع أن الذي تولى منهم هو البعض ؟ قلنا إن قوله : { وما أولئك بالمؤمنين } راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى ، وأيضا فلو رجع إلى الأول يصح ويكون معنى قوله : { ثم يتولى فريق منهم } أي يرجع هذا الفريق إلى الباقين منهم فيظهر بعضهم لبعض الرجوع عما أظهروه .