فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

ثم شرع سبحانه في بيان أحوال من لم تحصل له الهداية إلى الصراط المستقيم فقال :

{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } وهؤلاء هم المنافقون ، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، فإنهم كما حكى الله عنهم ههنا ، ينسبون إلى أنفسهم الإيمان بالله وبالرسول ، والطاعة لله ولرسوله نسبة بمجرد اللسان لا عن اعتقاد صحيح . وعن قتادة قال : أناس من المنافقين أظهروا الإيمان والطاعة ، وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله وطاعته وجهاده مع رسوله .

{ ثُمَّ يَتَوَلَّى } أي يعرض { فَرِيقٌ مِّنْهُم } أي من هؤلاء المنافقين القائلين هذه المقالة { مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } أي من بعد ما صدر عنهم مما نسبوه إلى أنفسهم من دعوى الإيمان والطاعة ثم حكم عليهم سبحانه وتعالى بعدم الإيمان فقال { وَمَا أُوْلَئِكَ } القائلون بهذه المقالة { بِالْمُؤْمِنِينَ } على الحقيقة الموافق قلوبهم لألسنتهم فيشمل الحكم بنفي الإيمان جميع القائلين . ويندرج تحتهم من تولى اندراجا أوليا .

وقيل إن الإشارة بقوله { أُوْلَئِكَ } راجع إلى من تولى ، والأول أولى والكلام مشتمل على حكمين ، الحكم الأول على بعضهم بالتولي ، والحكم الثاني على جميعهم بعدم الإيمان ، وقيل أراد بمن تولى من تولى عن قبول حكمه صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل أراد بذلك رؤساء المنافقين ، وقيل أراد بتولي هذا الفريق رجوعهم إلى الباقين ، ولا ينافي ما تحتمله هذه الآية باعتبار لفظها ورودها على سبب خاص ،