اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

قوله تعالى : { وَيِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول{[5]} وَأَطَعْنَا } الآية .

لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالذنب بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم .

قال مقاتل : نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهودياً في أرض ، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال المنافق : نتحاكم إلى كعب بن الأشرف ، فإن محمداً يحيف علينا ، فأنزل الله هذه الآية . وقد مضت قصتها في سورة «النساء »{[6]} .

وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل ، كان{[7]} بينه وبين علي بن أبي طالب أرض تقاسماها ، فوقع إلى عليّ ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة ، فقال المغيرة : بعني أرضك . فباعها إياه ، وتقابضا . فقيل للمغيرة : أخذت سبخة لا ينالها الماء فقال لعلي : اقبض أرضك ، فإنما اشتريتها إن رضيتها ، ولم أرضها . فقال علي : بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها ، لا أقبلها منك ، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المغيرة : أما محمد فلا آتيه ولا أحاكم إليه ، فإنه يبغضني ، وأنا{[8]} أخاف أن يحيف علي ، فنزلت الآية .

وقال الحسن : نزلت هذه في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر{[9]} .

فصل{[10]}

المعنى : { وَيِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا } يعني : المنافقين يقولونه{[11]} ، «ثُمَّ يَتَوَلَّى »{[12]} يعرض عن طاعة الله ورسوله { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك } أي من بعد قولهم : آمَنَّا ، ويدعو إلى غير حكم الله ، ثم قال : { وَمَا أولئك بالمؤمنين }{[13]} .

فإن قيل : إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون : «آمَنَّا » ثم حكى عن فريق منهم التولي ، فكيف يصح أن يقول في جميعهم : { وَمَا أولئك بالمؤمنين } مع أن المتولي فريق منهم ؟

فالجواب : أن قوله : { وَمَا أولئك بالمؤمنين } راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى ، وأيضاً فلو رجع إلى الأولى لصح{[14]} ، ويكون معنى قوله : { ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أي : يرجع هذا الفريق إلى الباقين{[15]} فيظهر بضهم لبعض الرجوع ، كما أظهروه{[16]} .


[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.