إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

{ وَيِقُولُونَ آمنا بالله وبالرسول } شروعٌ في بيان أحوالِ بعضِ مَن لم يشأ الله هدايتَه إلى الصِّراطِ المستقيمِ . قال الحسنُ : نزلتْ في المُنافقين الذين كانُوا يُظهرون الإيمانَ ويُسرُّون الكفرَ ، وقيل : نزلتْ في بشرٍ المُنافقِ خاصمَ يهوديّاً فدعاهُ إلى كعبِ بنِ الأشرفِ واليهوديُّ يدعُوه إلى النبي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ . وقيل : في المغيرةِ بنِ وائلٍ خاصمَ عليًّا رضي الله عنه في أرضٍ وماءٍ فأبَى أنْ يُحاكِم إلى الرَّسُولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، وأيًّا ما كان فصيغةُ الجمعِ للإيذانِ بأنَّ للقائلِ طائفةً يُساعدونَهُ ويُشايعونَهُ في تلك المقالةِ كما يُقال : بنوُ فلانٍ قتلُوا فُلاناً والقاتلُ واحدٌ منهم { وَأَطَعْنَا } أي أطعناهُما في الأمرِ والنَّهيِ { ثُمَّ يتولى } عن قبول حُكمِه { فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذلك } أي من بعد ما صدرَ عنهم ما صدرَ من ادِّعاءِ الإيمانِ بالله وبالرَّسولِ والطَّاعةِ لهما على التَّفصيلِ ، وما في ذلك من معنى البُعد للإيذانِ بكونه أمراً معتدًّا به واجبَ المُراعاةِ { وَمَا أُوْلَئِكَ } إشارةٌ إلى القائلينَ لا إلى الفريقِ المتولِّي منهم فقط لعدمِ اقتضاءِ نفيِ الإيمانِ عنهم نفيَه عن الأوَّلينَ بخلافِ العكسِ فإنَّ نفيَه عنِ القائلينَ مقتضٍ لنفيِه عنهم على أبلغِ وجهٍ وآكدِه وما فيه مِن مَعْنى البُعد للإشعارِ ببُعد منزلتهم في الكفر والفسادِ أي وما أُولئك الذين يدَّعُون الإيمانَ والطَّاعةَ ثم يتولَّى بعضُهم الذين يُشاركون في العقدِ والعملِ { بالمؤمنين } أي المؤمنينَ حقيقةً كما يُعرب عنه اللامُ أي ليسُوا بالمؤمنينَ المعهودين بالإخلاص في الإيمان والثَّباتِ عليه .