في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

103

ويدع السياق فرعون وملأه يتآمرون ، ويسدل الستار على مشهد التآمر والوعيد ، ليرفعه على مشهد خامس من مشاهد القصة ندرك منه أن فرعون قد مضى ينفذ الوعيد . . إنه مشهد النبي موسى - عليه السلام - مع قومه ، يحدثهم بقلب النبي ولغته ، ومعرفته بحقيقة ربه ؛ وبسنته وقدره ، فيوصيهم باحتمال الفتنة ، والصبر على البلية ، والاستعانة بالله عليها . ويعرفهم بحقيقة الواقع الكوني . فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده . والعاقبة لمن يتقون الله ولا يخشون أحداً سواه . . فإذا شكوا إليه أن هذا العذاب الذي يحل بهم قد حل بهم من قبل أن يأتيهم ، وهو يحل بهم كذلك بعدما جاءهم ، حيث لا تبدو له نهاية ، ولا يلوح له آخر ! أعلن لهم رجاءه في ربه أن يهلك عدوهم ، ويستخلفهم في الأرض ليبتليهم في أمانة الخلافة :

( قال موسى لقومه : استعينوا بالله واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين . قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا . قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض ، فينظر كيف تعملون ) .

إنها رؤية " النبي " لحقيقة الألوهية وإشراقها في قلبه . ولحقيقة الواقع الكوني والقوى التي تعمل فيه . ولحقيقة السنة الإلهية وما يرجوه منها الصابرون . .

إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد ، وهو الملاذ الحصين الأمين ، وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين . وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه . وألا يعجلوا ، فهم لا يطلعون الغيب ، ولا يعلمون الخير . .

وإن الأرض لله . وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها . والله يورثها من يشاء من عباده - وفق سنته وحكمته - فلا ينظر الداعون إلى رب العالمين ، إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها . . فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها !

وإن العاقبة للمتقين . . طال الزمن أم قصر . . فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير . ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد ، فيحسبونهم باقين . .

إنها رؤية " النبي " لحقائق الوجود الكبير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ، { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا } ووعدهم بالعاقبة ، وأن الدار ستصير لهم في قوله : { إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عند الله { استعينوا بالله واصبروا } وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله وليس في اللفظ شيء من ذلك و { الأرض } أرض الدنيا وهو الأظهر ، وقيل المراد هنا أرض الجنة ، وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير ، وقرأت فرقة «يورَثها » بفتح الراء ، وقرأ السبعة «يوْرِثها » ساكنة الواو خفيفة الراء مكسورة ، وروى حفص عن عاصم وهي قراءة الحسن «يورّثها » بتشديد الراء على المبالغة ، والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات .