في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) .

هكذا في اختصار حاسم . أخذ شديد ونبذ في اليم . نبذ كما تحذف الحصاة أو كما يرمى بالحجر . اليم الذي ألقي في مثله موسى الطفل الرضيع ، فكان مأمنا وملجأ . وهو ذاته الذي ينبذ فيه فرعون الجبار وجنوده فإذا هو مخافة ومهلكة . فالأمن إنما يكون في جناب الله ، والمخافة إنما تكون في البعد عن ذلك الجناب . ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) . .

فهي عاقبة مشهودة معروضة للعالمين . وفيها عبرة للمعتبرين ، ونذير للمكذبين . وفيها يد القدرة تعصف بالطغاة والمتجبرين في مثل لمح البصر ، وفي أقل من نصف سطر !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

أي : أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة ، فلم يبق منهم أحد { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } كما مر بيانه ، وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم ، ونظيره قوله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } فانظر يا محمد . { كيف كان عاقبة الظالمين } وحذر قومك عن مثلها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

{ نبذناهم } معناه طرحناهم ، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر :

نظرت إلى عنوانه فنبذته . . . كنبذك نعلاً من نعالك باليا{[9149]}

وقوم فرعون وإن كانوا ساروا إلى البحر ودخلوه باختيارهم فإن ما ضمهم من القدر السابق السائق [ وإغراقهم في البحر ]{[9150]} هو نبذ الله تعالى إياهم فيه ، و { اليم } بحر القلزم في قول أكثر الناس ، وقالت فرقة : كان غرقهم في نيل مصر والأول أشهر .


[9149]:هذا البيت لأبي الأسود الدؤلي، وهو في الطبري، والبحر المحيط، ومجاز القرآن لأبي عبيدة. والنبذ: طرحك الشيء من يدك أمامك أو خلفك، ويقال: نبذت الشيء إذا رميته وأبعدته، والنعل: الحذاء، والبالي: القديم المتقطع الذي فقد صلاحيته للاستعمال. ومن الواضح أن النبذ تعبير يدل على الاستهانة بالشيء المنبوذ، أو احتقاره، ويؤيد هذا في الآية قوله تعالى بعد ذلك: {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} وفي البيت التشبيه بنبذ النعل البالي.
[9150]:ما بين العلامتين [....] زيادة عن البحر الذي نقل عبارة ابن عطية كاملة دون أن يشير إليه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

أي ظنوا أنهم لا يرجعون إلينا فعجلنا بهلاكهم فإن ذلك من الرجوع إلى الله لأنه رجوع إلى حكمه وعقابه ، ويعقبه رجوع أرواحهم إلى عقابه ، فلهذا فرع على ظنهم ذلك الإعلام بأنه أخذ وجنوده . وجعل هذا التفريع كالاعتراض بين حكاية أحوالهم .

وجعل في « الكشاف » هذا من الكلام الفخم لدلالته على عظمة شأن الله إذ كان قوله { فنبذناهم في اليم } يتضمن استعارة مكنية : شبه هو وجنوده بحصيات أخذهن في كفه فطرحهن في البحر . وإذا حمل الأخذ على حقيقته كان فيه استعارة مكنية أيضاً لأنه يستتبع تشبيهاً بقبضة تؤخذ باليد كقوله تعالى { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } [ الحاقة : 14 ] وقوله { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } [ الزمر : 67 ] . ويجوز أن يجعل جميع ذلك استعارة تمثيلية كما لا يخفى .

وقوله { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } اعتبار بسوء عاقبتهم لأجل ظلمهم أنفسهم بالكفر وظلمهم الرسول بالاستكبار عن سماع دعوته . وهذا موضع العبرة من سوق هذه القصة ليعتبر بها المشركون فيقيسوا حال دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بحال دعوة موسى عليه السلام ويقيسوا حالهم بحال فرعون وقومه ، فيوقنوا بأن ما أصاب فرعون وقومه من عقاب سيصيبهم لا محالة . وهذا من جملة محل العبرة بهذا الجزء من القصة ابتداء من قوله تعالى { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } [ القصص : 36 ] ليعتبر الناس بأن شأن أهل الضلالة واحد فإنهم يتلقون دعاة الخير بالإعراض والاستكبار واختلاق المعاذير فكما قال فرعون وقومه { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ القصص : 36 ] قالت قريش { بل افتراه بل هو شاعر } [ الأنبياء : 5 ] ، وقالوا { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } [ ص : 7 ] أي التي أدركناها .

وكما طمع فرعون أن يبلغ إلى الله استكباراً منه في الأرض سأل المشركون { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً } [ الفرقان : 21 ] وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله كما ظن أولئك فيوشك أن يصيبهم من الاستئصال ما أصاب أولئك .