ويمضي موسى - عليه السلام - يكشف لقومه عن سوء المغبة فيما يطلبون ، بالكشف عن سوء عقبى القوم الذين رأوهم يعكفون على أصنام لهم ، فأرادوا أن يقلدوهم :
( إن هؤلاء متبر ما هم فيه ، وباطل ما كانوا يعملون ) . .
إن ما هم فيه من شرك ، وعكوف على الآلهة ، وحياة تقوم على هذا الشرك ، وتتعدد فيها الأرباب ، ومن يقوم وراء الأرباب من السدنة والكهنة ، ومن حكام يستمدون سلطانهم من هذا الخليط . . إلى آخر ما يتبع الانحراف عن الألوهية الواحدة من فساد في التصورات وفساد في الحياة . . إن هذا كله هالك باطل ؛ ينتظره ما ينتظر كل باطل من الهلاك والدمار في نهاية المطاف !
{ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ } أي : هالك { وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير [ رحمه الله ]{[12085]} تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعَقِيل ، ومعمر كلهم ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة{[12086]} يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال : " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{[12087]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدِّيلي ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلت : يا نبي الله{[12088]} اجعل لنا هذه " ذات أنواط " ، كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ] }{[12089]} إنكم تركبون{[12090]} سنن من قبلكم " {[12091]}
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه عن جده مرفوعا{[12092]}
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ هََؤُلآءِ مُتَبّرٌ مّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل ، يقول تعالى ذكره قال لهم موسى : إن هؤلاء العكوف على هذه الأصنام ، الله مهلك ما هم فيه من العمل ومفسده ، ومخسرهم فيه بإثابته إياهم عليه العذاب المهين ، وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم إياها فمضمحلّ لأنه غير نافع عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم ، ولا مدافع عنهم بأس الله إذا نزل بهم ، ولا منقذهم من عذابه إذا عذّبهم في القيامة ، فهو في معنى ما لم يكن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قالا جميعا : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِيهِ يقول : مهلك ما هم فيه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِيهِ يقول : خسران .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِيهِ وبَاطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال : هذا كله واحد ، كهيئة «غفور رحيم » ، «عفوّ غفور » . قال : والعرب تقول : إنه البائس المتبر ، وإنه البائس المخسر .
أعلمهم موسى عن الله عز وجل بفساد حال أولئك القوم ليزول ما استحسنوه من حالهم فقال { إن هؤلاء } إشارة إلى أولئك القوم { متبر } أي مهلك مدمر ردي العاقبة ، قاله السدي وابن زيد ، والتبار الهلاك وسوى العقبى وإناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة ، وقوله : { ما هم فيه } لفظ يعم جميع حالهم { وباطل } معناه فاسد ذاهب مضمحل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.