( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ) . . .
كذلك الذي قصصناه عليك ، وبمثل هذا الدمار والنكال يأخذ ربك القرى حين يأخذها وهي ظالمة
ظالمة : مشركة حين تدين لغير الله بالربوبية ، وظالمة لنفسها بالشرك والفساد في الأرض والإعراض عن دعوة التوحيد والصلاح . وقد ساد فيها الظلم وسيطر الظالمون .
بعد الإمهال والمتاع والابتلاء ، وبعد الإعذار بالرسل والبينات ، وبعد أن يسود الظلم في الأمة ويسيطر الظالمون . ويتبين أن دعاة الحق المصلحين قلة منعزلة لا تأثير لها في حياة الجماعة الظالمة السادرة في الضلال . . ثم . . بعد أن تفاصل العصبة المؤمنة قومها السادرين في الضلال ؛ وتعتبر نفسها أمة وحدها لها دينها ولها ربها ولها قيادتها المؤمنة ولها ولاؤها الخاص فيما بينها . وتعلن الأمة المشركة من قومها بهذا كله ، وتدعها تلاقي مصيرها الذي يقدره الله لها . وفق سنته التي لا تتخلف على مدار الزمان .
يقول تعالى : وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ، { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليُملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يُفلته " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } {[14903]} .واعتبارا على صدق موعُودنا في الدار الآخرة ، { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ } [ غافر : 51 ] ، وقال تعالى : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 ، 14 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } .
يقول تعالى ذكره : وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب ، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي ، فكذلك أخذي القرى وأهلها ، إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله . { إنّ أخْذهُ ألِيمٌ } ، يقول : إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه أليم ، يقول : موجع شَدِيدٌ الإيجاع ، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة ، فيحلّ بهم ما حلّ بهم من المثلات . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن يزيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يُمْلي » ، وربما قال : «يُمْهِلُ للظّالم ، حَتّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » ، ثم قرأ : { وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِمَةٌ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله : { وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ } .
وكان عاصم الجحدري يقرأ ذلك : { وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ } . وذلك قراءة لا أستجيز بها ، لخلافها مصاحف المسلمين وما عليه قرأة الأمصار .
{ وكذلك } ومثل ذلك الأخذ . { أخذ ربك } وقرئ { أخذ ربك } بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر . { إذا أخذ القرى } أي أهلها وقرئ " إذ " لأن المعنى على المضي . { وهي ظالمة } حال من { القرى } وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها ، وفائدتها الإشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه ، أو غيره من وخامة العاقبة . { إن أخذه أليم شديد } وجيع غير مرجو الخلاص منه ، وهو مبالغة في التهديد والتحذير .
وقوله { وكذلك } الإشارة إلى ما ذكر من الأحداث في الأمم ، وهذه آية وعيد تعم قرى المؤمنين ، فإن { ظالمة } أعم من كافرة ، وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة ، وأما الظلمة - في الغالب فمعاجلون ، أما أنه يملي لبعضهم ، وفي الحديث -من رواية أبي موسى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } الآية{[6504]} .
وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري «ربُّك إذا أخذ القرى »{[6505]} ، والجمهور الأعظم : { إذا أخذ القرى } ، وأنحى الطبري على قراءة عاصم هذه{[6506]} ، وقرأ طلحة بن مصرف كذلك ، وهي قراءة متمكنة المعنى ولكن قراءة الجماعة تعطي بقاء الوعيد واستمراره في الزمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.