ويعقب على هذا الشوط بصفة القرآن التي تناسب موضوعه وجوه :
( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ، ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ، وموعظة للمتقين ) . .
فهو آيات مبينات ، لا تدع مجالا للغموض والتأويل ، والانحراف عن النهج القويم .
وهو عرض لمصائر الغابرين الذين انحرفوا عن نهج الله فكان مصيرهم النكال .
وهو موعظة للمتقين الذين تستشعر قلوبهم رقابة الله فتخشى وتستقيم .
والأحكام التي تضمنها هذا الشوط تتناسق مع هذا التعقيب ، الذي يربط القلوب بالله ، الذي نزل هذا القرآن . .
ولما فصل تعالى{[21163]} هذه الأحكام وبَيَّنها قال : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ } يعني : القرآن فيه آيات واضحات مفسرات ، { وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } أي : خبرا عن الأمم الماضية ، وما حلَّ بهم في مخالفتهم أوامرَ الله تعالى{[21164]} ، كما قال تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ } [ الزخرف : 56 ]
{ وَمَوْعِظَةً } أي : زاجرًا عن ارتكاب المآثم والمحارم { لِلْمُتَّقِينَ } أي : لمن اتقى الله وخافه .
قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في صفة القرآن : فيه حكم ما بينكم ، وخبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وهو الفَصْل ليس بالهَزْل ، مَنْ تركه من جَبَّار قَصَمَه الله ، ومن ابتغى الهدى من{[21165]} غيره أضله الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس دِلالات وعلامات مبيّنات يقول : مفصّلاتٍ الحقّ من الباطل ، وموضّحات ذلك .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين والبصريين : «مُبَيّناتٍ » بفتح الياء : بمعنى مفصّلات ، وأن الله فصّلَهن وبيّنَهنّ لعباده ، فهنّ مفصّلات مبيّنات . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : مُبَيّناتٍ بكسر الياء ، بمعنى أن الاَيات هن تبين الحقّ والصواب للناس وتهديهم إلى الحقّ .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، متقاربتا المعنى . وذلك أن الله إذ فصّلها وبيّنها صارت مبيّنة بنفسها الحقّ لمن التمسه من قِبَلها ، وإذا بيّنت ذلك لمن التمسه من قَبِلها فيبين الله ذلك فيها . فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب .
وقوله : وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمم ، وموعظة لمن اتقى الله ، فخاف عقابه وخشي عذابه .
{ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } يعني التي بنيت في هذه السورة وأوضحت فيها الأحكام والحدود ، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالكسر في هذا وفي " الطلاق " لأنها واضحات تصدقها الكتب المتقدمة والعقول المستقيمة من بين بمعنى تبين ، أو لأنها بينت الأحكام والحدود . { ومثلا من الذين خلوا من قبلكم } أو ومثلا من أمثال من قبلكم أي وقصة عجيبة مثل قصصهم ، وهي قصة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كقصة يوسف ومريم . { وموعظة للمتقين } يعني ما وعظ به في تلك الآيات ، وتخصيص المتقين لأنهم المنتفعون بها ، وقيل المراد بالآيات القرآن والصفات المذكورة صفاته .
ثم عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيها أنزل إليهم من الآيات المنيرات ، وفيما ضرب لهم من أمثال الماضين من الأمم ، ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه وفيما ذكر لهم من المواعظ ، وقرأ جمهور الناس «مبينَّات » بفتح الياء أي بينها الله تعالى وأوضحها ، وقرأ الحسن وطلحة وعاصم والأعمش «مبيِّنات » بكسر الياء أي بينت الحق وأوضحته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.