البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

وقرأ { مبينات } بفتح الياء الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر أي بيَّن الله في هذه السورة وأوضح آيات تضمنت أحكاماً وحدوداً وفرائض ، فتلك الآيات هي المبينة ، ويجوز أن يكون المراد مبيناً فيها ثم اتسع فيكون المبين في الحقيقة غيرها .

وهي ظرف للمبين .

وقرأ باقي السبعة والحسن وطلحة والأعمش بكسر الياء ، فإما أن تكون متعدية أي { مبينات } غيرها من الأحكام والحدود ، فأسند ذلك إليها مجازاً ، وإما أن تكون لا تتعدى أي بينات في نفسها لا تحتاج إلى موضح بل هي واضحة لقولهم في المثل .

قد بيَّن الصبح لذي عينين .

أي قد ظهر ووضح .

وقوله { ومثلاً } معطوف على آيات ، فيحتمل أن يكون المعنى { ومثلاً } من أمثال الذين من قبلكم ، أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم في براءتهما لبراءة من رميت بحديث الإفك لينظروا قدرة الله في خلقه وصنعه فيه فيعتبروا .

وقال الضحاك : والمراد بالمثل ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود ، فأنزل في القرآن مثله .

وقال مقاتل : أي شبهاً من حالهم في تكذيب الرسل أي بينا لكم ما أحللنا بهم من العذاب لتمردهم ، فجعلنا ذلك مثلاً لكم لتعلموا أنكم إذا شاركتموهم في المعصية كنتم مثلهم في استحقاق العقاب .

{ وموعظة للمتقين } أي ما وعظ في الآيات والمثل من نحو قوله { ولا تأخذكم بهما رأفة } { ولولا إذ سمعتموه***يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً } وخص المتقين لأنهم المنتفعون بالموعظة .