اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } الآية .

لما ذكر الأحكام وصف القرآن بصفات ثلاث :

أحدها : قوله : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } أي : مفصلات . وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر : «مبيِّنات » بكسر الياء{[142]} ، أي : أنها تبين للناس الحلال والحرام ، كقوله تعالى : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }{[143]} [ الشعراء : 195 ] وتقدم الكلام في «مُبَيّنَاتٍ » كسراً وفتحاً{[144]} .

وثانيها : قوله : { وَمَثَلاً مِّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } . قال الضحاك : «يريد بالمثل{[145]} ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود ، فأنزل في القرآن مثله » وقال مقاتل : «قوله : «وَمَثَلاً » أي : شبهاً من حالهم بحالكم في تكذيب الرسل » يعني : بينا لكم ما أحللنا بهم من العقاب لتمردهم على الله ، فجعلنا ذلك مثلاً لكم ، وهذا تخويف لهم ، فقوله : «ومثلاً » عطف على «آيات » أي : وأنزلنا مثلاً من أمثال الذين من قبلكم{[146]} .

وثالثها : قوله : «وَمَوْعِظَة لِلْمُتقينَ » أي : الوعيد والتحذير ، ولا شك أنه موعظة للكل ، وخصَّ المتقين بالذكر لما تقدم في قوله : «هُدًى لِلْمتقينَ »{[147]} {[148]} .


[142]:-أخرجه الترمذي في السنن (5/143-144) كتاب فضائل القرآن (46) باب ماء جاء في فصل فاتحة الكتاب (1) حديث رقم (2875) والنسائي في السنن (2/139) كتاب الافتتاح باب تأويل قول الله عز وجل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم رقم (914) وابن ماجة في السنن (2/244) كتاب الأدب حديث رقم (3785) ومالك في الموطأ ص 85.
[143]:- عمرو بن شرحبيل الهمداني أبو مسيرة الكوفي أحد الفضلاء. عن عمر وعلي. وعنه أبو وائل والقاسم بن مخيمرة مات قديما. ينظر: الخلاصة 2/287.
[144]:- ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، من قريش: حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع من أكل ذبائحها، وتنصر، وقرأ كتب الأديان، وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني أدرك أوائل عصر النبوة ولم يدرك الدعوة. وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين. ينظر الأعلام: 8/115، الروض الأنف: 1/124-127، 156، 157، والإصابة: ت9133، وتاريخ الإسلام: 1/ 68.
[145]:ذكوان المدني أبو صالح السمان عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق. وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح. وسمع منه الأعمش ألف حديث. قال أحمد: ثقة ثقة شهد الدار. قال محمد بن عمر الواقدي: توفي سنة إحدى ومائة. ينظر ترجمته في: تهذيب التهذيب: 3/219، تقريب التهذيب: 1/238، تاريخ البخاري الكبير: 3/260، الجرح والتعديل: 3/54، طبقات ابن سعد: 5/222، معجم طبقات الحفاظ: 88.
[146]:- ذكر السيوطي في "الدر المنثور" (1/19) وعزاه لابن أبي شيبة وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في "دلائل النبوة" والواحدي والثعلبي في تفسيرهما.
[147]:-ذكر السيوطي في "الدر المنثور" (1/20) وعزاه للثعلبي ووكيع في تفسيرهما.
[148]:-متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. أخرجه البخاري في الصحيح (1/435-436) كتاب التيمم (7) باب (1) حديث رقم (335) واللفظ له، ومسلم في الصحيح 1/370 كتاب المساجد (5) حديث رقم (3/521) والنسائي في السنن (1/20، 211) كتاب الغسل والتيمم-والدارمي في السنن (2/224) كتاب السير باب الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا.