في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (67)

66

ثم يأمر الله تعالى نبيه [ ص ] أن يبرأ من قومه ، وينفض منهم يده ، وأن يعلنهم بهذه المفاصلة ، ويعلمهم أنه لا يملك لهم شيئا ؛ وأنه ليس حارسا عليهم ولا موكلا بهم بعد البلاغ ، ولا مكلفا أن يهدي قلوبهم - فليس هذا من شأن الرسول - ومتى أبلغهم ما معه من الحق ، فقد انتهى بينه وبينهم الأمر ؛ وأنه يخلي بينهم وبين المصير الذي لا بد أن ينتهي إليه أمرهم . فإن لكل نبأ مستقرا ينتهي إليه ويستقر عنده . وعندئذ يعلمون ما سيكون !

( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ) . .

وفي هذا الإجمال من التهديد ما يزلزل القلوب . .

إنها الطمأنينة الواثقة بالحق ؛ الواثقة بنهاية الباطل مهما تبجح ، الواثقة بأخذ الله للمكذبين في الأجل المرسوم ، الواثقة من أن كل نبأ إلى مستقر ؛ وكل حاضر إلى مصير .

وما أحوج أصحاب الدعوة إلى الله - في مواجهة التكذيب من قومهم ، والجفوة من عشيرتهم ، والغربة في أهلهم ، والأذى والشدة والتعب والأواء . . ما أحوجهم إلى هذه الطمأنينة الواثقة التي يسكبها القرآن الكريم في القلوب !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (67)

قال ابن عباس وغير واحد : أي لكل نبأ حقيقة ، أي : لكل خبر وقوع ، ولو بعد حين ، كما قال : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } [ ص : 88 ] ، وقال { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 37 ] .

وهذا تهديد ووعيد أكيد ؛ ولهذا قال بعده : { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (67)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ قُل لّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وَكَذّبَ يا محمد قَوْمُكَ بما تقول وتخبر وتوعد من الوعيد . وَهُوَ الحَقّ يقول : والوعيد الذي أوعَدْناهم على مُقامهم على شركهم من بعث العذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم أو لَبْسهم شيعا ، وإذاقة بعضهم بأس بعض ، الحقّ الذي لا شكّ فيه أنه واقع ، إن هم لم يتوبوا وينيبوا مما هم عليه مقيمون من معصية الله والشرك به إلى طاعة الله والإيمان به . قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكيلٍ يقول : قل لهم يا محمد : لست عليكم بحفيظ ولا رقيب ، وإنما رسول أبلغكم مما أرسلت به إليكم . لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ يقول : لكل خبر مُسْتقَرّ ، يعني قَرار يستقرّ عنده ونهاية ينتهي إليها ، فيتبين حقه وصدقه من كذبه وباطله . وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول : وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبركم به من وعيد الله إياكم أيها المشركون وحقيته عند حلول عذابه بكم . فرأوا ذلك وعاينوه فقتلهم يومئذ بأوليائه من المؤمنين .

وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السّديّ : وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحَقّ يقول : كذبت قريش بالقرآن ، وهو الحقّ . وأما الوكيل : فالحفيظ : وأما لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ : فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب .

حدثني المثني قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لكل نبأ مستقر بكل نبأ حقيقة أما في الدنيا وأما في الاَخرة وسوف تعلمون ما كان في الدنيا فسوف ترونه ، وما كان في الاَخرة فسوف يبدو لكم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ يقول : حقيقة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول : فعل وحقيقة ، ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الاَخرة .

وكان الحسن يتأوّل في ذلك أن الفتنة التي كانت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جعفر بن حيان ، عن الحسن أنه قرأ : لِكُلّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌ قال : حُبِسَت عقوبها حتى إذا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها .