ثم بين ما في صحفهما فقال : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } أي : لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى ، ومعناه : لا تؤخذ نفس بإثم غيرها . وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة بأنه يحمل عنه الإثم . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره ، كان الرجل يقتل بذنب أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده ، حتى كان إبراهيم فنهاهم عن ذلك ، وبلغهم عن الله :{ ألا تزر وازرة وزر أخرى } .
قوله تعالى : " أم لم ينبأ بما في صحف موسى . وإبراهيم " أي صحف " وإبراهيم الذي وفى " كما في سورة " الأعلى{[14415]} " " صحف إبراهيم وموسى " [ الأعلى : 19 ] أي لا تؤخذ نفس بدلا عن أخرى ، كما قال " أن لا تزر وازرة وزر أخرى " وخص صحف إبراهيم وموسى بالذكر ؛ لأنه كان ما بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة{[14416]} أخيه وابنه وأبيه ، قاله الهذيل بن شرحبيل . وقرأ سعيد بن جبير وقتادة " وفَى " خفيفة ومعناها صدق في قوله وعمله ، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة " وفّى " بالتشديد أي قام بجميع ما فرض عليه فلم يخرم منه شيئا . وقد مضى في " البقرة{[14417]} " عند قوله تعالى : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " [ البقرة : 124 ] والتوفية الإتمام . وقال أبو بكر الوراق : قام بشرط ما ادعى ، وذلك أن الله تعالى قال له : " أسلم قال أسلمت لرب العالمين{[14418]} " [ البقرة : 131 ] فطالبه الله بصحة دعواه ، فابتلاه في ماله وولده ونفسه فوجده{[14419]} وافيا بذلك ، فذلك قوله : " وإبراهيم الذي وفى " أي ادعى الإسلام ثم صحح دعواه . وقيل : وفّى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار ، رواه الهيثم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى سهل بن سعد الساعدي عن أبيه ( ألا أخبركم لم سمى الله تعالى خليله إبراهيم " الذي وفى " لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى : " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون{[14420]} " [ الروم : 17 ] ) الآية . ورواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : " وفى " أي وفى ما أرسل به ، وهو قوله : " أن لا تزر وازرة وزر أخرى " قال ابن عباس : كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره ، ويأخذون الولي بالولي في القتل والجراحة ، فيقتل الرجل بأبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وابن عمه وقريبه وزوجته وزوجها وعبده ، فبلغهم إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى : " أن لا تزر وازرة وزر أخرى " وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى " وفى " : عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه . وهذا أحسن ؛ لأنه عام . وكذا قال مجاهد : " وفى " بما فرض عليه . وقال أبو مالك الغفاري قوله تعالى : " أن لا تزر وازرة وزر أخرى " إلى قوله : " فبأي آلاء ربك تتمارى " [ النجم : 55 ] في صحف إبراهيم وموسى ، وقد مضى في آخر " الأنعام{[14421]} " القول في " ولا تزر وازرة وزر أخرى " [ الأنعام : 164 ] مستوفى .