{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } وهو البيت الذي فوق السماء السابعة ، المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام ، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك [ يتعبدون فيه لربهم ثم ] ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وقيل : إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام ، والمعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت ، وبالوفود إليه بالحج والعمرة .
كما أقسم الله به في قوله : { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض ، الذي قصده بالحج والعمرة ، أحد أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، التي لا يتم إلا بها ، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وجعله الله مثابة للناس وأمنا ، أن يقسم الله به ، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وَالبَيْتِ المَعْمُورِ يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... يحتمل أن يكون القسم بالبيت المعمور، هو الكعبة، وهو معمور، قد عظّم الله شأنه وأمره في قلوب الناس كافّة: في قلوب الكفار والمؤمنين جميعا، حتى كانت قريش وسائر العرب يحُجّونه، ويزورونه، ويعظّمونه فأقسم به على ما ذكر، والله أعلم. وقال أبو عبيدة: {والبيت المعمور} الكثير الأهل...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء -بعد مجاوزته إلى السماء السابعة -: "ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم " يعني: يتعبدون فيه ويطوفون، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت، هو كعبة أهل السماء السابعة؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل، عليه السلام، مسندا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل، وهو بحيال الكعبة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها، ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة. والله أعلم.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{والبيت المعمور} أي الذي يعمر بكثرة غاشيته. وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمّار والطائفين والعاكفين والمجاورين.لأنه يناسب ما جاء في سورة (التين) من عطف {البلد الأمين} على {طور سنين} والقرآن يفسر بعضه بعضا، لتشابه آياته، وتماثلها كثيرا، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعاً يقال له: البيت المعمور، لكن الروايات في كونه المرادَ من هذه الآية ليست صريحة.
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
وليس هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة، أو البيت المعمور في السماء، لأن كلا البيتين معظم، ذاك معظم في أهل السماء، وهذا معظم في أهل الأرض، ولا مانع، فالصواب أن الآية شاملة لهذا وهذا، إلا إذا وُجد قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء
قوله تعالى : " والبيت المعمور " قال علي وابن عباس وغيرهما : هو بيت في السماء حيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم يخرجون منه فلا يعودون إليه . قال علي رضي الله عنه : هو بيت في السماء السادسة . وقيل : في السماء الرابعة ، روى أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوتي بي إلى السماء الرابعة فرفع لنا البيت المعمور فإذا هو حيال الكعبة لو خرَّ خرَّ عليها يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه ) ذكره الماوردي . وحكى القشيري عن ابن عباس أنه في السماء الدنيا . وقال أبو بكر الأنباري : سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه قال : فما البيت المعمور ؟ قال : بيت فوق سبع سموات تحت العرش يقال له الضُّراح . وكذا في " الصحاح " : والضُّراح بالضم بيت في السماء وهو البيت المعمور عن ابن عباس . وعمر أنه كثرة غاشيته من الملائكة . وقال المهدوي عنه : حذاء العرش . والذي في صحيح مسلم عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء : ( ثم رفع إلي البيت المعمور فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر{[14278]} ما عليهم ) وذكر الحديث . وفي حديث ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت بالبراق ) الحديث ، وفيه : ( ثم عرج بنا إلى السابعة{[14279]} فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ) . وعن ابن عباس أيضا قال : لله في السموات والأرضين خمسة عشر بيتا ، سبعة في السموات . وسبعة في الأرضين والكعبة ، وكلها مقابلة للكعبة . وقال الحسن : البيت المعمور هو الكعبة ، البيت الحرام الذي هو معمور من الناس ، يعمره الله كل سنة بستمائة ألف ، فإن عجز الناس عن ذلك أتمه الله بالملائكة ، وهو أول بيت وضعه الله للعبادة في الأرض . وقال الربيع بن أنس : إن البيت المعمور كان في الأرض موضع الكعبة في زمان آدم عليه السلام ، فلما كان زمان نوح عليه السلام أمرهم أن يحجوا فأبوا عليه وعصوه ، فلما طغى الماء رفع فجعل بحذائه في السماء الدنيا ، فيعمره كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يرجعون إليه حتى ينفخ في الصور ، قال : فبوأ الله جل وعز لإبراهيم مكان البيت حيث كان ، قال الله تعالى : " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود{[14280]} " [ الحج : 26 ] .
{ والبيت المعمور * } الذي هو قيام للناس كما كانت قبة الزمان قياماً لبني إسرائيل ، هذا إن كان تعالى أراد به الكعبة التي علقوا فيها الصحيفة بعد أن كانوا لما عمروها اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه ، وزاد بهم الاختلاف حتى تهيؤوا للقتال وتحالفوا عليه ، فكان منهم لعقة الدم ، ومنهم المطيبون كما هو مشهور في السير ، ثم وفقوا لأن رضوا أن يحكم بينهم أو داخل من باب عينوه ، فكان أول داخل منه النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا بأجمعهم{[61499]} : هذا محمد هذا الأمين ، رضينا بحكمه ، فحكم صلى الله علي وسلم بأن يوضع{[61500]} الحجر الشريف في ثوب ويأخذ رئيس كل قبيلة بطرف من أطرافه ويرفعوه كلهم ، فلما وازى موضعه أخذه هو صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فوضعه في موضعه ، فكان الفخر له مضاعفاً بحكمه وإصلاحه بينهم ، واختصاصه بوضعه وهو معمور بالزوار والخدمة وكثرة الحاشية .