( والسماء ذات الحبك ، إنكم لفي قول مختلف ، يؤفك عنه من أفك ) . .
يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب . كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات . . وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح . وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة .
{ والسماء ذات الحبك } ثم أقسم تعالى بالسموات ذوات الطرق التي تسير فيها الكواكب ؛ وهي من بدائع الصنع . جمع حبيكة ؛ كطريقة وزنا ومعنى . أو حباك ؛ كمثل ومثال . والحبيكة والحباك : الطريقة في الرمل ونحوه . ويقال : حبك لما يرى في الماء أو الرمل إذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثنى . أو ذات الخلق السوي الجيد ؛ من قولهم : حبك الثوب يحبكه حبكا ، أجاد نسجه .
ثم ابتدأ قسماً آخر فقال :{ والسماء ذات الحبك } قال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ذات الخلق الحسن المستوي ، يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد : ما أحسن حبكه ! قال سعيد بن جبير : ذات الزينة . قال الحسن : حبكت بالنجوم . قال مجاهد : هي المتقنة البنيان . وقال الكلبي والضحاك : ذات الطرائق كحبك السماء إذا ضربته الريح ، وحبك الرمل والشعر الجعد ، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس ، وهي جمع حباك وحبيكة ،
قوله تعالى : " والسماء ذات الحبك " قيل : المراد بالسماء ها هنا السحب التي تظل الأرض . وقيل : السماء المرفوعة . ابن عمر : هي السماء السابعة ، ذكره المهدوي والثعلبي والماوردي وغيرهم . وفي " الحبك " أقوال سبعة : الأول : قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع : ذات الخلق الحسن المستوي . وقاله عكرمة ، قال : ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ، يقال منه حَبَك الثوب يحبِكُه بالكسر حَبْكا أي أجاد نسجه . قال ابن الأعرابي : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته . والثاني : ذات الزينة ، قاله الحسن وسعيد بن جبير ، وعن الحسن أيضا : ذات النجوم وهو الثالث . الرابع : قال الضحاك : ذات الطرائق ، يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك . ونحوه قول الفراء ، قال : الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة ، والماء القائم إذا مرت به الريح ، ودرع الحديد لها حبك ، والشعرة الجعدة تكسرها حبك . وفي حديث الدجال : أن شعره حبك . قال زهير :
مُكَلَّلٌ بأصولِ النَّجْمِ تَنسِجُه *** رِيحٌ خَرِيقٌ لِضَاحِي مائه حُبُكُ{[14202]}
ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها . الخامس - ذات الشدة ، قاله ابن زيد ، وقرأ " وبنينا فوقكم سبعا شدادا{[14203]} " [ النبأ :12 ] . والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره ، قال امرؤ القيس :
قد غدا يحملني في أنفه *** لاَحِقُ الإِطْلَيْن{[14204]} مَحْبُوكٌ مُمَر
مَرِجَ الدين فأعددتُ له *** مُشْرِفَ الحارك مَحْبُوك الكَتَد{[14205]}
وفي الحديث : أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة ، أي تشد الإزار وتحكمه . السادس : ذات الصفاقة ، قاله خصيف ، ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بين الصفاقة . السابع : أن المراد بالطرق المجرة التي في السماء ، سميت بذلك لأنها كأثر المجر . و " الحبك " جمع حباك ، قال الراجز :
كأنما جَلَّلَها الحُوَّاك *** طنفسة في وَشيها حِباك
والحباك والحبيكة الطريقة في الرمل ونحوه . وجمع الحباك حبك وجمع الحبيكة حبائك ، والحَبَكة مثل العَبَكة وهي الحبة من السويق ، عن الجوهري . وروي عن الحسن في قوله : " ذات الحُبُك " " الحُبْك " و " الحِبِك " و " الحِبْكِ " والحِبَك والحِبُك وقرأ أيضا " الحُبُك " كالجماعة . وروي عن عكرمة وأبي مجلز " الحُبك " . و " الحُبُك " واحدتها حبيكة ، " والحُبْك " مخفف منه . و " الحِبَك " واحدتها حِبْكة . ومن قرأ " الحُبَك " فالواحدة حُبْكة كبُرْقة وبُرَق أوحُبْكَة كظلمة وظلم . ومن قرأ " الحِبِك " فهو كإبل وإطل{[14206]} و " الحِبْك " مخففة منه . ومن قرأ " الحِبُك " فهو شاذ إذ ليس في كلام العرب فِعُل ، وهو محمول على تداخل اللغات ، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء ثم تصور " الحبك " فضم الباء . وقال جميعه المهدوي .
ولما أخبر سبحانه عن ثبات خبره{[61318]} ، أتبعه الإخبار عن وهي كلامهم ، فقال مقسماً عليه لمبالغتهم في تأكيد مضامينه مع التناقض بفعله{[61319]} الجميل وصنعه الجليل ، إشارة إلى أنهم لم-{[61320]} يتخلقوا من أخلاقه الحسنى بقول ولا فعل : { والسماء ذات الحبك * } أي الآيات المحتبكة بطرائق النجوم المحكمة ، الحسنة الصنعة ، الجيدة الرصف والزينة ، حتى كأنها منسوجة ، الجميلة الصنعة الجليلة الآثار ، الجامعة بين القطع والاختلاط والاتفاق والاختلاف{[61321]} ، وأصل الحبك الإحكام في امتداد واطراد - قاله الرازي في اللوامع .