ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله ، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين :
( أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ) . .
وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاء بآياته ، وسخرية من رسوله ، واعتداء على دينه . . وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم .
{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }طغى واستكبر عن الحق ، ودفعه حين جاءه ، وجعله من جملة أساطير الأولين ، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف ، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم ، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم ، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص ، لتتضح به القاعدة العامة ، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة .
قوله تعالى : " أن كان ذا مال وبنين " قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والأعرج " آن كان " بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام . وقرأ المفضل وأبو بكر وحمزة " أأن كان " بهمزتين محققتين . وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر ، فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين فهو استفهام ، والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على " زنيم " ، ويبتدئ " أن كان " على معنى أَلأَِن كان ذا مال وبنين تطيعه . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يقول إذا تتلى عليه آياتنا : أساطير الأولين . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر . ودل عليه ما تقدم من الكلام فصار كالمذكور بعد الاستفهام . ومن قرأ " أن كان " بغير استفهام فهو مفعول من أجله ، والعامل فيه فعل مضمر ، والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين . ودل على هذا الفعل : " إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " ولا يعمل في " أن " : " تتلى " ولا " قال " لأن ما بعد " إذا " لا يعمل فيما قبلها ؛ لأن " إذا " تضاف إلى الجمل التي بعدها ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف . و " قال " جواب الجزاء ، ولا يعمل فيما قبل الجزاء ، إذا حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط فيصير مقدما مؤخرا في حال . ويجوز أن يكون المعنى لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد . قال ابن الأنباري : ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على " زنيم " لأن المعنى لأن كان ، وبأن كان ، " فأن " متعلقة بما قبلها . قال غيره : يجوز أن يتعلق بقوله : " مشاء بنميم " والتقدير يمشي بنميم لأن كان ذا مال وبنين . وأجاز أبو علي أن يتعلق " بعتل " . وأساطير الأولين : أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم{[15241]} . وقد تقدم{[15242]} .
{ إذا تتلى } أي تذكر على سبيل المتابعة { عليه } ولو كان ذلك{[67500]} على سبيل الخصوص له{[67501]} { آياتنا } أي العلامات{[67502]} الدالة دلالة في غاية الظهور على الملك الأعلى ، وعلى ما له من صفات العظمة ، { قال } أي فاجأ هذا القول من غير تأمل ولا توقف عوضاً{[67503]} عن الشكر ، ف " إن " مع جاره متعلق بما دل عليه الكلام ، نحو كذب لأجل كونه متمكناً ، ولا يتعلق بقال لأنه جزاء الشرط ، ويجوز أن يتعلق بلا تطع ، أي لا توجد طاعته لأجل{[67504]} إن كان كذا ، وقرىء بالكسر على أنها شرطية ، فيكون النهي عن طاعته لعلة الغنى ، مفهماً للنهي عن طاعته عند الوصف بغيره من باب الأولى ، كالتعليل بإملاق في الوأد : { أساطير } جمع سطور جمع سطر { الأولين * } أي أشياء سطروها ودونوها ، وفرغوا منها ، فحمله دنيء طبعه على تكبره{[67505]} بالمال ، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه ، فجعل الكفر موضع الشكر ، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من يسمعه ، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر ، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة ، مع التعليل بالإسناد إلى ما هو عند العاقل {[67506]}أوهم و{[67507]}أوهى من بيت العنكبوت ، والإستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة ، ولا يعمل في " أن قال " بل ما دل عليه ، لأن ما في حيز الشرط لا يعمل فيما قبله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.