وفي وسط هذا الهول المروع ، وهذا العذاب والوثاق ، الذي يتجاوز كل تصور تنادى " النفس " المؤمنة من الملأ الأعلى :
" يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي " . .
هكذا في عطف وقرب : " يا أيتها " وفي روحانية وتكريم : " يا أيتها النفس " . . وفي ثناء وتطمين . . " يا أيتها النفس المطمئنة " . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة : يا أيتها النفس المطمئنة ، يعني بالمطمئنة : التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به ، في الدنيا من الكرامة في الآخرة ، فصدّقت بذلك . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : المصدّقة الموقِنة بأن الله ربها ، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها . وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ : «يا أيّتُها النّفْسُ الآمِنَةُ » . وقيل : إن ذلك قول الملَك للعبد عند خروج نفسه مبشره برضا ربه عنه ، وإعداده ما أعد له من الكرامة عنده .
وقال آخرون ... عن أُسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله : "يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ" قال : بُشّرت بالجنة عند الموت ، ويوم الجمع ، وعند البعث . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالمطمئنة ، هي الساكنة التي لا ترتاب ، ولا تضطرب طمأنينتها بوعد الله ووعيده وأمره ونهيه وتوحيده . ثم يجوز أن يكون هذا في أمر الدنيا ،...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ يا أيتها النفس } على إرادة القول ، أي : يقول الله للمؤمن : { يا أيتها النفس } إمّا أن يكلمه إكراماً له كما كلم موسى صلوات الله عليه ، أو على لسان ملك . و { المطمئنة } الآمنة التي لا يستفزّها خوف ولا حزن ، وهي النفس المؤمنة أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ... فإن قلت : متى يقال لها ذلك ؟ قلت : إمّا عند الموت . وإمّا عند البعث ، وإمّا عند دخول الجنة . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ يا أيتها النفس المطمئنة } الآية ، و { المطمئنة } معناه : الموقنة غاية اليقين ، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال : { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] ، فهي درجة زائدة على الإيمان ، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله ، ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ يا أيتها النفس المطمئنة } أي التي هي في غاية السكون لا خوف عليها ولا حزن ولا نقص ولا غبون ، لأنها كانت في الدنيا في غاية الثبات على كل ما أخبر به عن الدار الآخرة وغيرها من وعد ووعيد وتحذير وتهديد ، فهم راجون لوعده خائفون من وعيده ، وإذا كانت هذه حال النفس التي شأنها الميل إلى الدنيا فما ظنك بالروح التي هي خير صرف...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واتصالُ هذه الآية بالآيات التي قبلها في التلاوة وكتابة المصحف الأصل فيه أن تكون نزلت مع الآيات التي قبلها في نسق واحد . وذلك يقتضي أن هذا الكلام يقال في الآخرة . فيجوز أن يُقَال يومَ الجزاء فهو مقول قولٍ محذوف هو جواب ( إذا ) { إذا دكت الأرض } [ الفجر : 21 ] الآية وما بينهما مستطرد واعتراض .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
( يا أيّتها النفس المطمئنة ) . . ( ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة ) . . ( فادخلي في عبادي ) . . ( وادخلي جنّتي ) . فهل ثمّة أجمل وألطف من هذا التعبير ! . . . تعبير يحكي دعوة اللّه سبحانه وتعالى لتلك النفوس المؤمنة ، المخلصة ، المحبّة والواثقة بوعده جلّ شأنه . . دعوتها لتعود إلى ربّها ومالكها ومصلحها الحقيقي . . .. وما قوله تعالى : «جنتي » إلاّ للإشارة إلى أنّ المضيف هو اللّه جلّ جلاله . . . فما أروعها من دعوة ! وما أعظمه وأكرمه من داع ! وما أسعده من مدعو ! ويراد بالنفس هنا : الروح الإنسانية . «المطمئنة » : إشارة إلى الاطمئنان الحاصل من الإيمان ، بدلالة الآية ( 28 ) من سورة الرعد : ( ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب ) . ويعود اطمئنان النفس ، لاطمئنانها بالوعود الإلهية من جهة ، ولاطمئنانها لما اختارت من طريق . . وهي مطمئنة في الدنيا سواء أقبلت عليها أم أدبرت ، ومطمئنة عند أهوال حوادث يوم القيامة الرهيبة أيضاً ....
قوله تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنة " لما ذكر حال من كانت همته الدنيا فاتهم اللّه في إغنائه ، وإفقاره ، ذكر حال من اطمأنت نفسه إلى اللّه تعالى . فسلم لأمره ، واتكل عليه . وقيل : هو من قول الملائكة لأولياء اللّه عز وجل . والنفس المطمئنة " الساكنة الموقنة ، أيقنت أن اللّه ربها ، فأخبتت لذلك . قاله مجاهد وغيره . وقال ابن عباس : أي المطمئنة بثواب اللّه . وعنه المؤمنة . وقال الحسن : المؤمنة الموقنة . وعن مجاهد أيضا : الراضية بقضاء اللّه ، التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها ، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها . وقال مقاتل : الآمنة من عذاب اللّه . وفي حرف أُبي بن كعب " يأيتها النفس الآمنة المطمئنة " . وقيل : التي عملت على يقين بما وعد اللّه في كتابه . وقال ابن كيسان : المطمئنة هنا : المخلصة . وقال ابن عطاء : العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين . وقيل : المطمئنة بذكر اللّه تعالى . بيانه " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله{[16063]} " [ الرعد : 38 ] . وقيل : المطمئنة بالإيمان ، المصدقة بالبعث والثواب . وقال ابن زيد : المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت ، وعند البعث ، ويوم الجمع . وروى عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال : يعني نفس حمزة . والصحيح أنها عامة في كل نفس مؤمن مخلص طائع . قال الحسن البصري : إن اللّه تعالى إذا أراد أن يقبض روح عبده المؤمن ، اطمأنت النفس إلى اللّه تعالى ، واطمأن اللّه إليها . وقال عمرو بن العاص : إذا توفي المؤمن أرسل اللّه إليه ملكين ، وأرسل معهما تحفة من الجنة ، فيقولان لها : اخرجي أيتها النفس المطمئنة راضية مرضية ، ومرضيا عنك ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب راض غير غضبان ، فتخرج كأطيب ريح المسك وجَد أحد من أنفه على ظهر الأرض . وذكر الحديث . وقال سعيد بن زيد : قرأ رجل عند النبي صلى اللّه عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة " ، فقال أبو بكر : ما أحسن هذا يا رسول اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : [ إن الملك يقولها لك يا أبا بكر ] . وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس بالطائف ، فجاء طائر لم ير على خلقته طائر قط ، فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجا منه ، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر - لا يدري من تلاها - : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " . وروى الضحاك أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي اللّه عنه حين وقف بئر رومة{[16064]} . وقيل : نزلت في خُبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة ، وجعلوا وجهه إلى المدينة ، فحول اللّه وجهه نحو القبلة . واللّه أعلم .
ولما علم أن هذا الجزاء المذكور لا يكون إلا للهلوع الجزوع المضطرب النفس الطائش في حال السراء والضراء ، الذي لا يكرم اليتيم ولا المسكين ويحب الدنيا ، وكان من المعلوم أن من الناس من ليس هو كذلك ، تشوفت النفس إلى جزائه فشفى عيّ هذا التشوف بقوله ، إعلاماً بأنه يقال لنفوسهم عند النفخ في الصور وبعثرة ما في القبور للبعث والنشور : { يا أيتها النفس المطمئنة * } أي التي هي في غاية السكون لا خوف عليها ولا حزن ولا نقص ولا غبون ، لأنها كانت في الدنيا في غاية الثبات على كل ما أخبر به عن الدار الآخرة وغيرها من وعد ووعيد وتحذير وتهديد ، فهم راجون لوعده خائفون من وعيده ، وإذا كانت هذه حال النفس التي شأنها الميل إلى الدنيا فما ظنك بالروح التي هي خير صرف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.