في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

وهذه الليلة المباركة بنزول هذا القرآن كانت فيصلاً وفارقاً بهذا التنزيل :

( فيها يفرق كل أمر حكيم ) . .

وقد فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر ، وفصل فيها كل شأن ، وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق ، ووضعت

الحدود ، وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين ؛ فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح ولا مرسوم في دنيا الناس ، كما هو واضح ومرسوم في الناموس الكلي القديم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فِيها يُفْرَق كُلّ أمْرٍ حَكِيم" اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله: "فِيها "عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يُقْضَى فيها أمر السنة كلها؛ من يموت، ومن يولد، ومن يعزّ، ومن يذل، وسائر أمور السنة... وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد تقدّم من بياننا عن أن المعنِيّ بقوله: "إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ" ليلة القدر، والهاء في قوله: "فِيها" من ذكر الليلة المباركة.

وعنى بقوله: "فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ" في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، ووضع "حكيم" موضع محكم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{كل أمر حكيم} يحتمل أي كل أمر فيه حكمة...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وفي يفرق أربعة أوجه:

الثاني: يكتب، قاله ابن عباس.

الثالث: ينزل، قاله ابن زيد.

الرابع: يخرج، قاله ابن سنان.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{كل أمر حكيم} فالحكيم معناه ذو الحكمة؛ وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل أحد بحالة معينة من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله تعالى، فلما كانت تلك الأفعال والأقضية دالة على حكمة فاعلها وصفت بكونها حكيمة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما وصف ليلة إنزال هذا القرآن بالبركة، وأعلم أن من أعظم بركتها النذارة، وكانت النذارة مع أنها فرقت من البشارة أمراً عظيماً موجباً لفرقان ما بين المحاسن والمساوئ من الأعمال قائدة إلى كل خير، بدليل أن أتباع ذوي البركة من العلماء، وإذا تعارض عندهم أمر العالم والظالم، قدموا أمر الظالم لما يخافون من نذارته، وأهملوا أمر العالم وإن عظم الرجاء لبشارته، قال معللاً لبركتها بعد تعليل الإنزال فيها، ومعمماً لها يحصل فيها من بركات التفضيل: {فيها يفرق} أي ينشر ويبين ويفصل ويوضح مرة بعد مرة.

{كل أمر حكيم} أي محكم الأمر لا يستطاع أن يطعن فيه بوجه من جميع ما يوحى به من الكتب وغيرها والأرزاق والآجال والنصر والهزيمة والخصب والقحط وغيرها من جميع أقسام الحوادث وجزئياً في أوقاتها وأماكنها، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيماناً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر، وفصل فيها كل شأن، وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق، ووضعت الحدود، وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين؛ فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح ولا مرسوم في دنيا الناس، كما هو واضح ومرسوم في الناموس الكلي القديم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فيها يُفْرَقُ كلّ أمر حكيم}...

والفرق: الفصل والقضاء، أي فيها يُفصَل كل ما يراد قضاؤه في النّاس ولهذا يُسمى القرآن فرقاناً، وتقدم قوله تعالى: {فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين} في سورة المائدة (25)، أي جَعل الله الليلة التي أنزل فيها القرآن وقتاً لإنفاذ وقوع أمور هامة مِثل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً لتلك المقضيات وتشريفاً لتلك الليلة.

وكلمة {كلّ} يجوز أن تكون مستعملة في حقيقة معناها من الشمول، وقد علم الله ما هي الأمور الحكيمة فجمعها للقضاء بها في تلك الليلة وأعظمها ابتداء نزول الكتاب الذي فيه صلاح الناس كافّة ويجوز أن تكون {كل} مستعملة في معنى الكثرة، وهو استعمال في كلام الله تعالى وكلام العرب وقد تقدم في قوله تعالى في سورة النمل (23) {وأوتيت من كل شيءٍ} أي فيها تُفْرَق أمور عظيمة.

والظاهر أن هذا مستمر في كل ليلة توافق عدّ تلك الليلة من كل عام كما يؤذن به المضارع في قوله {يُفْرق}، ويحتمل أن يكون استعمال المضارع في {يفرق} لاستحضار تلك الحالة العظيمة كقوله تعالى: {فتثير سحاباً} [الروم: 48].

والأمر الحكيم: المشتمل على حكمة من حكمة الله تعالى أو الأمر الذي أحكمه الله تعالى وأتقنه بما ينطوي عليه من النُّظُم المدبرة الدالة على سعة العلم وعمومه. وبعض تلك الأمور الحكيمة يُنفِذُ الأمرَ به إلى الملائكة الموكلين بأنواع الشؤون، وبعضها يُنفذ الأمر به على لسان الرّسول مدة حياته الدنيوية، وبَعْضاً يلهمُ إليه من ألهمه الله أفعالاً حكيمة، والله هو العالم بتفاصيل ذلك.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

قال ابن عباس : يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق . وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم . وقيل : إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران ، قاله ابن عمر . قال المهدوي : ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل . وقال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد . وروى عثمان بن المغيرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا نهارها فإن الله ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا يقول : ألا مستغفر فأغفر له ألا مبتلى فأعافيه ألا مسترزق فأرزقه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر ) ذكره الثعلبي . وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) . وفي الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى : حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثيرة عن عروة عن عائشة ، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث ، وقال : يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة ، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير .

قلت : وقد ذكر حديث عائشة مطولا صاحب كتاب العروس ، واختار أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ليلة النصف من شعبان ، وأنها تسمى ليلة البراءة . وقد ذكرنا قوله والرد عليه في غير هذا الموضع ، وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه . روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال : سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال : يا أبا سعيد ، أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال : أي والله الذي لا إله إلا هو ، إنها في كل رمضان ، إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها . وقال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج ، يقال : يحج فلان ويحج فلان . وقال في هذه الآية : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى . وهذه الإبانة لإحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق . وقد ذكرنا هذا المعنى آنفا . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر . ومنهم من قال : إنها ليلة النصف من شعبان ، وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " [ البقرة : 185 ] فنص على أن ميقات نزوله رمضان ، ثم عين من زمانه الليل ها هنا بقوله : " في ليلة مباركة " فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله ، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها . الزمخشري : " وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر ، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخة الحروب إلى جبريل ، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت . وعن بعضهم : يعطى كل عامل بركات أعماله ، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه ، وعلى قلوبهم هيبته . وقرئ " نفرق " بالتشديد ، و " يفرق " كل على بنائه للفاعل ونصب " كل " ، والفارق الله عز وجل . وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه " نفرق " بالنون . " وكل أمر حكيم " كل شأن ذي حكمة ، أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة " .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

{ فيها يفرق كل أمر حكيم } معنى يفرق يفصل ويخلص ، والأمر الحكيم أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم في ذلك العام نسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر ليتمثل الملائكة ذلك بطول السنة القابلة ، وقيل : إن هذا يكون ليلة النصف من شعبان وهذا باطل لما قدمنا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

ولما وصف ليلة إنزال هذا القرآن بالبركة ، وأعلم أن من أعظم بركتها النذارة ، {[57245]}وكانت النذارة{[57246]} مع أنها {[57247]}فرقت من{[57248]} البشارة أمراً عظيماً موجباً لفرقان ما بين المحاسن والمساوىء من الأعمال قائدة إلى كل خير بدليل أن أتباع ذوي البركة من العلماء ، وإذا تعارض عندهم أمر العالم والظالم ، قدموا أمر الظالم لما يخافون من نذارته ، وأهملوا أمر العالم وإن عظم الرجاء لبشارته ، قال معللاً لبركتها بعد تعليل الإنزال فيها ، ومعمماً لها يحصل فيها من بركات التفضيل{[57249]} : { فيها } أي الليلة المباركة سواء قلنا : إنها ليلة القدر أو ليلة النصف أصالة أو مآلاً { يفرق } أي ينشر ويبين ويفصل ويوضح مرة بعد مرة { كل أمر حكيم * } أي محكم الأمر لا يستطاع أن يطعن فيه بوجه من جميع ما يوحى به من الكتب وغيرها والأرزاق والآجال والنصر والهزيمة والخصب والقحط وغيرها من جميع أقسام{[57250]} الحوادث وجزئياً{[57251]} في أوقاتها وأماكنها ، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها{[57252]} من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيماناً ، قال البغوي{[57253]} رحمه الله : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يكتب من أم الكتاب [ في ليلة القدر-{[57254]} ] ما هو كائن في السنة من الخير والشر ، والأرزاق والآجال ، قال : وروى أبو الضحى عنه أن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان فيسلمها إلى أربابها{[57255]} في ليلة القدر . وقال الكرماني : فيسلمها إلى إلى أربابها{[57256]} وعمالها من الملائكة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان .


[57245]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[57246]:سقط ما بين الرقمين من مد
[57247]:من مد، وفي الأصل: فرقة مع، وفي ظ: فرقة من.
[57248]:من مد، وفي الأصل: فرقة مع، وفي ظ: فرقة من.
[57249]:من ظ ومد، وفي الأصل: التفصيل.
[57250]:من ظ ومد، وفي الأصل: الأشياء
[57251]:من مد، وفي الأصل و ظ: جريتها.
[57252]:من ظ ومد، وفي الأصل: قبلها
[57253]:راجع المعالم بهامش اللباب6/120.
[57254]:زيد من مد والمعالم.
[57255]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57256]:سقط ما بين الرقمين من ظ.