ثم تمضي القصة في مشهد جديد من مشاهدها ؛ فتعرض هذه العذراء الحائرة في موقف آخر أشد هولا :
( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا . فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ؛ قالت : يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) . .
إن السياق لا يذكر كيف حملته ولا كم حملته . هل كان حملا عاديا كما تحمل النساء وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى العظام باللحم ويستكمل الجنين أيامه المعهودة ? إن هذا جائز . فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية ، والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فسارت البويضة سيرتها الطبيعية . . كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية ، فتختصر المراحل اختصارا ؛ ويعقبها تكون الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة . . ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين . فلا نجري طويلا وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها . . . فلنشهد مريم تنتبذ مكانا قصيا عن أهلها ، في موقف أشد هولا من موقفها الذي أسلفنا .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وفي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا بغلام فحَمَلَتْهُ فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانا قَصيّا... وقوله:"فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانا قَصِيّا" يقول: فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحّت به عن الناس "مكانا قَصِيا "يقول: مكانا نائيا قاصيا عن الناس...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
دل هذا على أن الولادة لم يكن على إثر الحمل، ولكن كان بين الولادة وبين الحمل وقت. لكن لا يعلم ذلك الوقت إلا بخبر عن الله.
{فانتبذت به مكانا قصيا} قال بعضهم: تباعدت به حياء من أهلها. وقال بعضهم: انفردت به مكانا قصيا متباعدا.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لمَّا ظهر بها الحَمْلُ، وعَلِمَتْ أَنَّ الناسَ يستبعدون ذلك، ولم تَثِقْ بأحدٍ تُفْشِي إليه سِرَّها... مَضَتْ إلى مكانٍ بعيد عن الخَلْق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تمضي القصة في مشهد جديد من مشاهدها؛ فتعرض هذه العذراء الحائرة في موقف آخر أشد هولا:
(فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة؛ قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا)..
إن السياق لا يذكر كيف حملته ولا كم حملته. هل كان حملا عاديا كما تحمل النساء وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى العظام باللحم ويستكمل الجنين أيامه المعهودة؟ إن هذا جائز. فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية، والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فسارت البويضة سيرتها الطبيعية.. كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية، فتختصر المراحل اختصارا؛ ويعقبها تكون الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة.. ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين. فلا نجري طويلا وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها... فلنشهد مريم تنتبذ مكانا قصيا عن أهلها، في موقف أشد هولا من موقفها الذي أسلفنا.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وعندما أحست بالحمل واعتزلت الناس وانفردت عنهم، وانتبذتهم في مكان قصي بعيد وشددت في نبذهم وعدم الانغمار في جمعهم، لأنها صارت تصاحب من نفسها من يؤنسها في وحدتها، وهو الحمل الذي تسعد به كل امرأة في هذه الدنيا، ولذا قال تعالى: {فانتبذت به}، أي انتبذت مصاحبه له {مكانا قصيا}، {مكانا} ظرف، أي في مكان {قصيا} بعيد عن الناس حتى لا يروها فيقلقوها بفضولهم، وفي الناس في كل العصور فضول، يقولون فيه ما لا يعنيهم ولا يهمهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وتمت كلمة الله، ودخلت مريم في عالم جديد مبهم، لا تعرف لا طبيعته ولا مدى خطورته، بل كل ما كانت تشعر به أنها مقبلة على جو معقّد، ولكنها سلمت أمرها لله، واندمجت في التجربة، وحاولت أن تغيب فترة الحمل عن المجتمع.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لقد كانت تعيش في حالة بين الخوف والأمل، حالة من القلق والاضطراب المشوب بالسرور، فهي تفكر أحياناً بأن هذا الحمل سيفشو أمره في النهاية، فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أُولئك الذين يعرفونني عدّة أيّام أو أشهر، وأعيش في هذا المكان بصورة مجهولة، وماذا سيحدث في النهاية؟ فمن الذي سيقتنع بأنّ امرأة لا زوج لها تحمل دون أن تكون قد تلوثت بالرذيلة؟ فماذا سأفعل تجاه هذا الاتهام؟ والحق أنّ من المؤلم جدّاً بالنسبة لفتاة كانت لسنين طويلة نموذجاً وقدوة للطهارة والعفة والتقوى والورع، ومثالا في العبادة والعبودية لله، وكان زهاد بني إِسرائيل يفتخرون بكفالتها منذ الطفولة، وقد تربت وترعرعت في ظل نبي كبير، وقد شاع أمر سجاياها وقداستها في كل مكان، أن تحس في يوم ما أن كل هذا الرصيد المعنوي مهدد بالخطر، وستكون غرضاً ومرمى لاتهام يعتبر أسوء وأقبح اتهام، وكانت هذه هي المصيبة الثّالثة التي وقعت لها. إِلاّ أنّها من جهة أُخرى كانت تحس أنّ هذا المولود، نبي الله الموعود، تحفة سماوية نفيسة، فإِنّ الله الذي بشرني بمثل هذا الغلام، وخلقه بهذه الصورة الإِعجازية كيف سيذرني وحيدة؟ فهل من المعقول أن لا يدافع عني في مقابل مثل هذا الاتهام؟ أنا التي رأيت وجربت لطفه على الدوام، وأحسست بيد رحمته على رأسي.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.