السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا} (22)

وقوله تعالى : { فحملته } فيه حذف تقديره فنفخنا فيها فحملته دل على ذلك قوله تعالى في سورة التحريم : { ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } [ التحريم ، 12 ] ، واختلف في النافخ فقال بعضهم : كان النفخ من اللّه تعالى لهذه الآية ولأنه تعالى قال : { إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم } [ آل عمران ، 59 ] ومقتضى التشبيه حصول المشابهة إلا فيما أخرجه الدليل ، وفي حق آدم النافخ هو اللّه تعالى قال تعالى : { ونفخت فيه من روحي } [ الحجر ، 29 ] فكذا هاهنا ، وقال بعضهم : النافخ جبريل لأن الظاهر من قول جبريل عليه السلام : { لأهب لك } على أحد القراءتين أنه النافخ ، واختلف في كيفية نفخه فقيل : إن جبريل عليه السلام رفع درعها فنفخ في جيبها فحملت حين لبسته ، وقيل : مدّ إلى جيب درعها أصابعه ونفخ في الجيب ، وقيل : نفخ في كمّ قميصها ، وقيل : في فيها ، وقيل : نفخ جبريل نفخاً من بعيد فوصل النفخ إليها فحملت بعيسى في الحال ، وقيل : نفخ في ذيلها فدخلت النفخة في صدرها فحملت فجاءت أختها امرأة زكريا تزورها فلما التزمتها عرفت أنها حبلى وذكرت مريم حالها فقالت امرأة زكريا : إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله تعالى : { مصدقاً بكلمة من اللّه } [ آل عمران ، 39 ] وقيل : حملت وهي بنت ثلاث عشرة سنة ، وقيل : بنت عشرين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل ، قال الرازي : وليس في القرآن ما يدل على شيء من هذه الأقوال المذكورة . ثم عقب بالحمل قوله : { فانتبذت به } أي : فاعتزلت به وهو في بطنها حالة { مكاناً قصياً } أي : بعيداً من أهلها أو من المكان الشرقي .