غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا} (22)

16

قيل : حملته وهي بنت ثلاث عشرة سنة . وقيل : بنت عشرين وقد حاضت حيضتين قبل أن تحمل . وكم مدة حملها ؟ عن ابن عباس في رواية تسعة أشهر كما في سائر النساء لأنها لو كانت مخالفة لهن في هذه العادة لناسب أن يذكرها الله تعالى في أثناء مدائحها . وقيل : ثمانية أشهر ولم يعش مولود لثمانية إلا عيسى . قال أهل التنجيم : إنما لا يعيش لأنه يعود إلى تربية القمر وهو مغير معفن بسرعة حركته وغلبة التبريد والترطيب عليه . وعن عطاء وأبي العالية والضحاك : سبعة أشهر . وقيل : ستة أشهر . وقيل : حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها . وعن ابن عباس في رواية أخرى : كما حملته نبذته لقوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله } إلى قوله : { كن فيكون } [ آل عمران : 59 ] ولفاآت التعقيب في قوله : { فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً فأجاءها المخاض } وعلى هذا فالمكان القصي هو أقصى الدار أو وراء الجبل بعيداً من أهلها . ومعنى انتبذت به اعتزلت متلبسة به وهو في بطنها . وقصى مبالغة قاص . وروى الثعلبي عن وهب قال : إن مريم لما حملت فأول من عرف هو يوسف النجار ابن عمها و كانت سميت له ، وكانا يخدمان المسجد ولا يعلم من أهل زمانهما أكثر عبادة وصلاحاً منهما . فقال لها : إنه وقع في نفسي من أمرك شيء ولا أحب أن أكتمه عنك . فقالت : قل قولاً جميلاً . فقال : أخبريني يا مريم هل نبت زرع بغير بذر ؟ قالت : نعم . ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر ! أو تقول : إن الله لا يقدر على الإنبات حتى يستعين بالماء ، ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى ! فقال يوسف : لا أقول هذا ولكني أقول : إن الله قادر على ما يشاء ، وزالت التهمة عن قلبه وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لضيق قلبها واستيلاء الضعف عليها من الحمل . فحين دنا نفاسها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك لئلا يقتلوا ولدك ، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ، فلما بلغت تلك الدار أدركها النفاس فألجأها إلى أصل نخلة . قال جار الله : منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء . لا يقال : جئت المكان وأجاءنيه زيد كما يقال بلغته وأبلغنيه ، ونظيره " آتى " حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم يقل " أتيت المكان وآتانيه فلان " . قلت : حاصله تخصيص باء التعدية بعد تعميم .

40