ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله ، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين :
( أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ) . .
وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاء بآياته ، وسخرية من رسوله ، واعتداء على دينه . . وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم .
وقوله سبحانه : { إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الاولين } استئناف جار مجرى التعليل للنهي وجوز أن يكون لأن متعلقاً بنحو كذب ويدل عليه الجملة الشرطية ويقدر مقدما دفعا لتوهم الحصر كأنه قيل كذب لأن كان الخ والمراد انه بطر نعمة الله تعالى ولم يعرف حقها ولم يجوز تعلقه بقال المذكور بعد لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ولعل من يقول باطراد التوسع في الظرف يجوز ذلك وكذا من يجعل اذا هنا ظرفية وقال أبو علي الفارسي يجوز تعلقه بعتل وان كان قد وصف وتعقبه أبو حيان بأنه قول كوفي ولا يجوز ذلك عند البصريين وقيل متعلق بزنيم ويحسن ذلك إذا فسر بقبيح الأفعال وقرأ الحسن وابن أبي اسحق وأبو جعفر وأبو بكر وحمزة وابن عامر أأن كان على الاستفهام وحقق الهمزتين حمزة وسهل الثاني باقيهم على ما في البحر وقال بعض قرأ أبو بكر وحمزة بهمزتين وابن عامر بهمزة ومدة والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال أو أطيعه لأن كان الخ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه إن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد بمعنى النهي في غير ذلك يعلم بالطريق الأولى فيثبت بدلالة النص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له أو على أن الشرط للمخاطب وحاصل المعنى لا تطع كل حلاف الخ شارطا يساره لأن اطاعة الكافر لغناه بمنزلة اشتراط غناه في الطاعة وفيه تنزيل المخاطب منزلة من شرط ذلك وحققه زيادة للإلهاب والثبات وتعريضاً بمن يحسب الغنى مكرمة والظاهر أن الجملة الشرطية بعد استئناف وقيل هذا مما اجتمع فيه شرطان وليسا من الشروط المترتبة الوقوع فالمتأخر لفظاً هو المتقدم والمتقدم لفظاً هو شرط في الثاني فهو كقوله :
فإن عثرت بعدها ان وألت *** نفسي من هاتا فقولا لالعا
وقرأ الحسن أئذا على الاستفهام وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله أساطير الأولين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذا تتلى عليه} يعني الوليد {آياتنا} يعني القرآن {قال أساطير الأولين}، يقول: أحاديث الأولين وكذبهم، وهو حديث رستم واسفنديار...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الأوّلون، استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم أخبر عن معاملته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} وإن كان عاما بظاهره، لكن لم يرد به العموم، لأن قوله تعالى: {أساطير الأولين} ليس في كل الآيات، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة. وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث، فيقول فيها ما قال في سورة المدثر: {فقال إن هذا إلا سحر يؤثر} {إن هذا إلا قول البشر} [الآيتان: 24 و25] وهذا دليل على ألا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي أحاديث الأولين التي سطرت وكتبت لا أصل له...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقال الكسائي: ترهات من الكلام لا نظام لها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إذا تتلى} أي تذكر على سبيل المتابعة {عليه} ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له {آياتنا} أي العلامات الدالة دلالة في غاية الظهور على الملك الأعلى، وعلى ما له من صفات العظمة، {قال} أي فاجأ هذا القول من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن الشكر، ف "إن " مع جاره متعلق بما دل عليه الكلام، نحو كذب لأجل كونه متمكناً، ولا يتعلق بقال لأنه جزاء الشرط، ويجوز أن يتعلق بلا تطع، أي لا توجد طاعته لأجل إن كان كذا، وقرئ بالكسر على أنها شرطية، فيكون النهي عن طاعته لعلة الغنى، مفهماً للنهي عن طاعته عند الوصف بغيره من باب الأولى، كالتعليل بإملاق في الوأد: {أساطير} جمع سطور جمع سطر {الأولين} أي أشياء سطروها ودونوها، وفرغوا منها، فحمله دنيء طبعه على تكبره بالمال، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه، فجعل الكفر موضع الشكر، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من يسمعه، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة، مع التعليل بالإسناد إلى ما هو عند العاقل أوهم و أوهى من بيت العنكبوت، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين: (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين).. وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين؛ استهزاء بآياته، وسخرية من رسوله، واعتداء على دينه.. وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
تعليق على جملة {أساطير الأولين} وجملة أساطير الأولين قد تكررت كثيراً في القرآن حكاية لزعم الكفار عن القرآن، وهذه الجملة أو بتعبير أدق كلمة أساطير، تعني الآن القصص التي لا تستند إلى أصل، أو يشوبها الغلو أو الخرافة. غير أن الذي يتبادر لنا أن استعمالها في القرآن لم يكن لهذا المعنى فقط، وإنما كان أيضا لمقصد الإشارة إلى كتب الأولين وصحفهم، بما في ذلك كتب النصارى واليهود التي كانت متداولة. وفي سورة الفرقان آية قد تؤيد ذلك حيث جاء فيها: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)}، وحيث أراد الكفار أن يقولوا: إن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتبسه واستكتبه وحفظه من الكتب الأولى المتداولة وليس وحياً. والجملة في السورة تدل في حد ذاتها على أن ما نزل من القرآن قبل هذه الآيات كان شيئا غير يسير، حيث رأى الكفار فيه من التطابق والمواضيع، ما سوغ لهم في هذا القول؛ وتؤيد ما قلناه في صدد ترتيب هذه السورة...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.