في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

16

ذلك حال المنافقين ، فأما حال المهتدين فهو على النقيض :

( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) :

وترتيب الوقائع في الآية يستوقف النظر . فالذين اهتدوا بدأوا هم بالاهتداء ، فكافأهم الله بزيادة الهدى ، وكافأهم بما هو أعمق وأكمل : ( وآتاهم تقواهم ) . . والتقوى حالة في القلب تجعله أبدا واجفا من هيبة الله ، شاعرا برقابته ، خائفا من غضبه ، متطلعا إلى رضاه ، متحرجا من أن يراه الله على هيئة أو في حالة لا يرضاها . . هذه الحساسية المرهفة هي التقوى . . وهي مكافأة يؤتيها الله من يشاء من عباده ، حين يهتدون هم ويرغبون في الوصول إلى رضى الله .

والهدى والتقوى والحساسية حالة تقابل حالة النفاق والانطماس والغفلة في الآية السابقة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

وآتاهم تقواهم : ألهمهم تقواهم ، وفقهم إليها .

أما الذين اهتدوا إلى طريق الحق فقد زادهم الله هدى ، وألهمهم تقواهم وصلاحَهم . ثم عنّف الله أولئك المكذّبين ، وأكد أنهم لم يتّعظوا بأحوال السابقين ،

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

{ والذين اهتدوا } إلى طريق الحق { زَادَهُمْ } أي الله عز وجل { هُدًى } بالتوفيق والإلهام ، والموصول يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بفعل محذوف يفسره المذكور و { هُدًى } مفعول ثان لأن زاد قد يتعدى لمفعولين ، ويحتمل أن يكون تمييزاً والأول هو الظاهر ، وتنوينه للتعظيم أي هدى عظيماً { وءاتاهم تَقُوَاهُمْ } أي أعطاهم تقواهم إياه جل شأنه بأن خلقها فيهم بناءً على ما يقوله الأشاعرة في أفعال العباد أو بأن خلق فيهم قدرة عليها مؤثرة في فعلها بإذنه سبحانه على ما نسبه الكوراني إلى الأشعري وسائر المحققين في أفعال العباد من أنها بقدرة خلقها الله تعالى فيهم مؤثرة بإذنه تعالى ، وقول بعضهم : بأن جعلهم جل شأنه متقين له سبحانه يمكن تطبيقه على كل من القولين ، وقال البيضاوي : أي بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها فالإيتاء عنده مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر وليس في شيء من ذلك ما يأباه مذهب أهل الحق ، وذكر الزمخشري الثاني والثالث من ذلك ، واختار الطيبي الأول من هذين الاثنين وقال : هو أوفق لتأليف النظم الكريم لأن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيها التقابل فقوبل { أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } [ محمد : 16 ] بقوله سبحانه : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى } لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادفع ما يزيد في الكفر ، وقوله تعالى : { واتبعوا أَهْوَاءهُمْ } [ محمد : 16 ] بقوله جل وعلا : { والذين اهتدوا } فيحمل على كمال التقوى وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه سبحانه بشراشره وهو التقوى الحقيقية المعنية بقوله تعالى : { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] فإن المزيد على مزيد الهدى مزيد لا مزيد عليه ، وفي الترفع عن متابعة الهوى النزوع إلى المولى والعزوب عن شهوات الحياة الدنيا ، ثم في إسناد إيتاء التقوى إليه تعالى وإسناد متابعة الهوى إليهم إيماءً إلى معنى قوله تعالى حكاية : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] وتلويح إلى أن متابعة الهوى مرض روحاني وملازمة التقوى دواء إلهي انتهى .

وما ذكره من التقابل جار فيما ذكرناه أيضاً ، وكذا يجري التقابل على تفسير إيتاء التقوى ببيان ما يتقون لإشعار الكلام عليه بأن ما هم فيه ليس من ارتكاب الهوى والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوي ، وتفسير ذلك بإعطاء جزاء التقوى مروى عن سعيد بن جبير وذهب إليه الجبائي ، والكلام عليه أفيد وأبعد عن التأكيد من غير حاجة إلى حمل التقوى على أعلى مراتبها ، وأمر التقابل هين فإنه قد يقال : إن قوله تعالى : { اهتدوا } في مقابلة { اتبعوا أَهْوَاءهُمْ } وقوله سبحانه : { زَادَهُمْ هُدًى } في مقابلة { طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } فليتدبر ، وقيل : فاعل { زَادَهُمْ } ضمير قوله صلى الله عليه وسلم المفهوم من قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [ محمد : 16 ] وقوله سبحانه : { مَاذَا قَالَ ءانِفاً } [ محمد : 16 ] وكذا فاعل { ءاتاهم } أي أعانهم أو بين لهم ، والإسناد مجازي ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ، وأيضاً إذا كان قوله تعالى : { زَادَهُمْ هُدًى } في مقابلة قوله سبحانه : { طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } فالأولى أن يتحد فاعله مع فاعله ويجري نحو ذلك على ما قاله الطيبي لئلا يلزم التفكيك ، وجوز أن يكون ضميراً عائداً على قول المنافقين فإن ذلك مما يعجب منه المؤمن فيحمد الله تعالى على إيمانه ويزيد بصيرة في دينه ، وهو بعيد جداً بل لا يكاد يلتفت إليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

ثم بين حال المهتدين ، فقال : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا } بالإيمان والانقياد ، واتباع ما يرضي الله { زَادَهُمْ هُدًى } شكرا منه تعالى لهم على ذلك ، { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } أي : وفقهم للخير ، وحفظهم من الشر ، فذكر للمهتدين جزاءين : العلم النافع ، والعمل الصالح .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

قوله : { والذين اهتدوا زادهم هدى } يعني والذين شرح الله صدورهم للإيمان وكتب لهم التوفيق والهداية وحب الحق ، زادهم سماع القرآن إيمانا إلى إيمانهم أو يقينا إلى يقينهم { وآتاهم تقواهم } أي ألهمهم خشيته ليجتنبوا نواهيه ويأتمروا بأوامره وأحكام دينه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفّقهم الله لاتباع الحقّ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد، فإن ما تلوته عليهم، وسمعوه منك "زَادَهُمْ هُدىً "يقول: زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم...

وقوله: "وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ" يقول تعالى ذكره: وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} يحتمل قوله: {وآتاهم تقواهم} أي أعطاهم ما اتقوا مخالفة أمره. ويحتمل {وآتاهم تقواهم} أي يُوفّقهم ما يتّقون مخالفة أمره من بعد في المُستأنف. وقال بعضهم: أي أعطاهم الله ثواب أعمالهم في الآخرة؛ يقول: كل ما جاء من الله، وأخذوا به {زادهم هدى وآتاهم تقواهم} أي أجرهم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والوجه في إضافة الزيادة في الهدى إلى الله هو ما يفعله تعالى بهم من الألطاف التي تقوي دواعيهم إلى التمسك بما عرفوه من الحق وتصرفهم عن العدول إلى خلافه. ويكون ذلك تأكيدا لما عملوه من الحق وصارفا لهم عن تقليد الرؤساء من غير حجة ولا دلالة...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{اهْتَدَوْا}: بأنواع المجاهدات، "فزادهم هدًى ": بأنوار المشاهدات...

{اهْتَدَوْاْ}: بتأمل البرهان، "فزادهم هدى "بَرْوح البيان.

{اهْتَدَوْاْ}: بعلم اليقين،" فزادهم هدًى ": بحقِّ اليقين.

{اهْتَدَوْاْ}: بآداب المناجاة، "فزادهم هدًى ": بالنجاة ورَفْعِ الدرجات.

{اهْتَدَوْاْ}: إلى ما فيه من الحقِّ ولم يختلفوا في أنه الحق،" فزادهم هدًى "بالاستقامة على طرق الحق...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{زادهم هدى} يحتمل أن يكون الفاعل في {زادهم} الله تعالى، والزيادة في هذا المعنى تكون إما بزيادة التفهيم والأدلة، وإما بورود الشرائع والنواهي والأخبار فيزيد الاهتداء لتزيد علم ذلك كله والإيمان به وذلك بفضل الله تعالى، ويحتمل أن يكون الفاعل في: {زادهم} قول المنافقين واضطرابهم، لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه ويحمد الله على إيمانه، ويتزيد بصيرة في دينه، فكأنه قال: المهتدون والمؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى، أي كانت الزيادة بسببه، فأسند الفعل إليه،... وقالت فرقة: إن هذه الآية نزلت في قوم من النصارى، آمنوا بمحمد فالفاعل في: {زادهم} محمد عليه السلام كان سبب الزيادة فأسند الفعل إليه. وقوله على هذا القول: {اهتدوا} يريد في إيمانهم بعيسى عليه السلام ثم {زادهم} محمد {هدى} حين آمنوا به. والفاعل في {آتاهم} يتصرف بحسب التأويلات المذكورة، وأقواها أن الفاعل الله تعالى. {وآتاهم} معناه: أعطاهم، أي جعلهم متقين له، فالتقدير: تقواهم إياه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{زادهم هدى} معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله {زادهم هدى} إشارة إلى العلم...

.أفاد أنهم ازداد علمهم، وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم. والمعنى الرابع: تقواهم من يوم القيامة...

.آتاهم تقواهم، التقوى التي تليق بالمؤمن، وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: والذين قصدوا الهداية، وفقهم الله لها فهداهم إليها، وثبتهم عليها وزادهم منها، {وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} أي: ألهمهم رشدهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والذين اهتدوا} أي اجتهدوا باستماعهم منك في مطاوعة داعي الفطرة الأولى إلى الوقوع على الهدى بالصدق في الإيمان والتسليم والإذعان بأنواع المجاهدات {زادهم} أي الله الذي طبع على قلوب الجهلة {هدى} بأن شرح صدورهم ونورها بأنوار المشاهدات فصارت أوعية للحكمة "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم {وآتاهم تقواهم} أي بين لهم ما هو أهل لأن يحذر ووفقهم لاجتنابه مخالفة للهوى، فهم القسم الأول من آية توطئة المثل {الذين هم على بينة من ربهم} ومعنى الإضافة أنه آتى كلاًّ منهم منها بحسب ما يقتضيه حاله...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم):

وترتيب الوقائع في الآية يستوقف النظر. فالذين اهتدوا بدأوا هم بالاهتداء، فكافأهم الله بزيادة الهدى، وكافأهم بما هو أعمق وأكمل: (وآتاهم تقواهم).. والتقوى حالة في القلب تجعله أبدا واجفا من هيبة الله، شاعرا برقابته، خائفا من غضبه، متطلعا إلى رضاه، متحرجا من أن يراه الله على هيئة أو في حالة لا يرضاها.. هذه الحساسية المرهفة هي التقوى.. وهي مكافأة يؤتيها الله من يشاء من عباده، حين يهتدون هم ويرغبون في الوصول إلى رضى الله.

والهدى والتقوى والحساسية حالة تقابل حالة النفاق والانطماس والغفلة في الآية السابقة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمعنى: والذين شرح الله صدرهم للإيمان فاهتدوا لطَفَ الله بهم فزادهم هدى وأرسخ الإيمان في قلوبهم ووفقهم للتقوى، فاتقوا وغالبوا أهواءهم. وإيتاء التقوى مستعار لتيسير أسبابها إذ التقوى معنى نفساني، والإيتاء يتعدى حقيقة للذوات. وإضافة التقوَى إلى ضمير {الذين اهتدوا} إيماء إلى أنهم عرفوا بها واختصت بهم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ} بهدى الله، وساروا في النور المنطلق من أفق الإيمان، وعملوا على تنمية غرس الهدى في عقولهم ومشاعرهم، بالفكر والبحث والتخطيط {زَادَهُمْ هُدًى} لأن الممارسة الواعية لكل مفردات الهدى الحيّة، وإدارة الفكر فيها، تمنح المضمون حيويّةً وامتداداً وزيادةً في النموّ. وهكذا يزيدهم الله هدًى بذلك، وبما يرزقهم من ألطافه الخفية، لأن الله يرزق عباده المؤمنين ألطافه، كما يرزقهم من عطاياه المادية، جزاءً لهم على ما عملوه وما فكروا فيه. {وَآتاهُمْ تَقوَاهُمْ} لأن الهدى كلما امتد في الحياة من خلال وضوح الرؤية للفكرة وللخط وللطريق، كلما تحوّل إلى حالةٍ في القلب والروح والضمير، تتعمق في الشخصية لتحتوي كل أوضاعها وقضاياها، بحيث ينطلق الانضباط على الخط في الممارسة من الانضباط في الفكر والعقيدة، لتكون هناك تقوى في الفكر وفي العمل...