قوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } .
لما بين الله تعالى أن المنافق يستمع ولا ينتفع ، ويستعيد ولا يستفيد ، بين أن حال المؤمن المهتدي بخلافه ، فإنه يستمع فيفهم ، ويعمل بما يعلم ، والمنافق يستعيد ، والمهتدي يفسر ويعيد ، وفيه فائدتان : ( إحداهما ) ما ذكرنا من بيان التباين بين الفريقين ، ( وثانيهما ) قطع عذر المنافق وإيضاح كونه مذموم الطريقة ، فإنه لو قال ما فهمته لغموضه وكونه معمى ، يرد عليه ويقول ليس كذلك ، فإن المهتدي فهم واستنبط لوازمه وتوابعه ، فذلك لعماء القلوب ، لا لخفاء المطلوب وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الفاعل للزيادة في قوله { زادهم } ؟ نقول فيه وجوه ( الأول ) المسموع من النبي عليه الصلاة والسلام من كلام الله وكلام الرسول يدل عليه قوله { ومنهم من يستمع إليك } فإنه يدل على مسموع ، والمقصود بيان التباين بين الفريقين ، فكأنه قال : هم لم يفهموه ، وهؤلاء فهموه . ( والثاني ) أن الله تعالى زادهم ويدل عليه قوله تعالى : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } وكأنه تعالى طبع على قلوبهم فزادهم عمى ، والمهتدي زاده هدى . ( والثالث ) استهزاء المنافق زاد المهتدي هدى ، ووجهه أنه تعالى لما قال : { واتبعوا أهواءهم } قال : { والذين اهتدوا زادهم } اتباعهم الهدى هدى ، فإنهم استقبحوا فعلهم فاجتنبوه .
المسألة الثانية : ما معنى قوله { وآتاهم تقواهم } ؟ نقول فيه وجوه منقولة ومستنبطة ، أما المنقولة فنقول : قيل فيه إن المراد آتاهم ثواب تقواهم ، وقيل آتاهم نفس تقواهم من غير إضمار ، يعني بين لهم التقوى ، وقيل آتاهم توفيق العمل بما علموا . وأما المستنبط فنقول : يحتمل أن يكون المراد به بيان حال المستمعين للقرآن الفاهمين لمعانيه المفسرين له بيانا لغاية الخلاف بين المنافق ، فإنه استمع ولم يفهمه ، واستعاد ولم يعلمه ، والمهتدي فإنه علمه وبينه لغيره ، ويدل عليه قوله تعالى : { زادهم هدى } ولم يقل اهتداء ، والهدى مصدر من هدى ، قال الله تعالى : { فبهداهم اقتده } أي خذ بما هدوا واهتد كما هدوا ، وعلى هذا فقوله تعالى : { وآتاهم تقواهم } معناه جنبهم عن القول في القرآن بغير برهان ، وحملهم على الاتقاء من التفسير بالرأي ، وعلى هذا فقوله { زادهم هدى } معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله { زادهم هدى } إشارة إلى العلم { وآتاهم تقواهم } إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه ، وهو مستنبط من قوله تعالى : { فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } وقوله { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } .
المعنى الثالث : يحتمل أن يكون المراد بيان أن المخلص على خطر فهو أخشى من غيره ، وتحقيقه هو أنه لما قال : { زادهم هدى } أفاد أنهم ازداد علمهم ، وقال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم .
والمعنى الرابع : تقواهم من يوم القيامة كما قال تعالى : { يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده } ويدل عليه قوله تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة } كأن ذكر الساعة عقيب التقوى يدل عليه .
المعنى الخامس : آتاهم تقواهم ، التقوى التي تليق بالمؤمن ، وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم .
ثم قال تعالى : { الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله } وكذلك قوله تعالى : { يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } وهذا الوجه مناسب لأن الآية لبيان تباين الفريقين ، وهذا يحقق ذلك ، من حيث إن المنافق كان يخشى الناس وهم الفريقان ، المؤمنون والكافرون فكان يتردد بينهما ويرضي الفريقين ويسخط الله فقال الله تعالى المؤمن المهتدي بخلاف المنافق حيث علم ذاك ولم يعلم ذلك واتقى الله لا غير ، واتقى ذلك غير الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.