فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

{ والذين اهتدوا } إلى طريق الخير فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به { زادهم هدى } بالتوفيق ، وقيل : زادهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : زادهم القرآن ، وقال الفراء : زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى ، وقيل : زادهم نزول الناسخ هدى ، وعلى كل تقدير فالمراد أنه زادهم إيمانا وعلما بصيرة في الدين ، قال ابن عباس في الآية : لما أنزل القرآن آمنوا به ، وكان هدى ، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى .

{ وآتاهم تقواهم } أي ألهمهم إياها ، وأعانهم عليها بمعنى خلق التقوى فيهم أو أعطاهم ثواب تقواهم وجزاءها ، والأول أولى وأوفق لتأليف النظم لما سبق أن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيه التقابل ، فقوبل الطبع بزيادة الهدى ، لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادف ما يزيد في الكفر ، وقوبل اتباع الهوى بإيتاء التقوى فيحمل على كمال التقوى ، وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشر أشره ، وهو التقي الحقيقي المعني بقوله : { اتقوا الله حق تقاته } ، فإن المزيد على مزيد الهدى ، مزيد ، لا مزيد عليه ، وقال الربيع : التقوى هي الخشية ، وقال السدي : هي ثواب الآخرة ، وقال مقاتل : هي التوفيق للعمل بما يرضاه ، وقيل : العمل بالناسخ وترك المنسوخ ، وقيل : ترك الرخص والأخذ بالعزائم .