والله - سبحانه - يحذر رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون ، فهم لا يغنون عنه من الله شيئاً . وهم يتولون بعضهم بعضاً . وهم لا يملكون أن يضروه شيئاً حين يتولى بعضهم بعضاً ، لأن الله هو مولاه :
( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض . والله ولي المتقين ) . .
{ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً } : أي إنْ أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن تفعله مما يوافق أهواءهم ، إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والأخروي شيئاً .
{ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض } : أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فإنهم لا ينصرون .
{ والله ولي المتقين } : أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم .
وقوله : { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا } أي إنَّك إِنْ اتبعت أهواءهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا عنك ولن يكفوك شيئا منه ، وقوله : { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض } أي في الدنيا فيتعاونون على الباطل والشر ، أما في الآخرة فلا ينصر بعضهم بعضا ولا هم ينصرون من قبل أحد . والله ولي المتقين ، أما المتقون فالله وليهم في الدنيا والآخرة ، فعليك بولاية الله ، ودع ولاية أعدائه ، فإنها لن تغني عنك شيئاً .
- تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه .
ثم علل هذا النهي مهدداً بقوله : مؤكداً تنبيهاً على أن من خالف أمر الله لأجل أحد كان عمله عمل من يظن أنه يحميه-{[58099]} : { إنهم } وأكد{[58100]} النفي فقال تعالى : { لن يغنوا عنك } أي لا يتجدد لهم نوع إغناء مبتدىء { من الله } المحيط بكل شيء قدرة وعلماً واصل إليه ، وكل ما لا يكون ذا وصلة به فهو عدم { شيئاً } من إغناء إن تبعتهم كما أنهم لن{[58101]} يقدروا لك على شيء من أذى إن خالفتهم وناصبتهم .
ولما كان التقدير : فإنهم ظلمة لا يضعون شيئاً في موضعه ، ومن اتبعهم فهو منهم ، قال تعالى عاطفاً عليه : { وإن } وكان الأصل : وإنهم ولكنه{[58102]} أظهر للإعلام{[58103]} بوصفهم فقال : { الظالمين } أي{[58104]} العريقين في هذا الوصف الذميم{[58105]} { بعضهم أولياء بعض }{[58106]} فلا ولاية - أي قرب - بينهم وبين الحكيم أصلاً لتباعد ما بين الوصفين فكانت أعمالهم كلها-{[58107]} باطلة لبنائها على غير أساس خلافاً لمن يظن بها غير ذلك تقيداً بالأمور الظاهرة في هذه الدار { والله } أي الذي له جميع صفات الجلال والجمال والعز{[58108]} والكمال { ولي المتقين * } الذين همهم{[58109]} الأعظم الاتصاف بالحكمة باتخاذ الوقايات المنجية لهم من سخط الله ولا ولاية بينه وبين الظالمين .