في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ومع هذا فإن الله يتلطف مع حبيبه المختار ، ويسري عنه ، ويؤنسه ، ويطمئنه ويطلعه على اليسر الذي لا يفارقه :

( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) . .

إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك فعلا . فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك . وكان اليسر مصاحبا للعسر ، يرفع إصره ، ويضع ثقله .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

العسر : الفقر ، والضعف ، والشدة .

وبعد أن عدّد الله بعض نِعمه على رسوله الكريم ، تلطّف به وآنسَه وطمأنَه بأن اليُسْرَ لا يفارقُه أبدا . فقال : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً }

تلك بعضُ نِعمنا عليك ، فكن على ثقةٍ من لُطفه تعالى ، بأن الفَرَجَ سيأتي بعد الضيق ، فلا تحزنْ ولا تَضْجَر . وفي الحديث : « لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَين » أخرجه الحاكم والبيهقي .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فإنّ مع الشدّة التي أنت فيها ، من جهاد هؤلاء المشركين ، ومِن أوّله : ما أنت بسبيله ، رجاءً وفرجا بأن يُظْفِرَك بهم ، حتى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا وكَرها .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم : إنما كان عسرا واحدا ، وإن ذكره مرتين ، لأن العسر الثاني ذكره بحرف التعريف فهو والأول واحد ، واليسر ذكره ، بحرف النكرة ، فهو غير الأول ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والعُسْر الواحد : ما كان في الدنيا ، واليسران : أحدهما في الدنيا في الخصب ، وزوال البلاء ، والثاني في الآخرة من الجزاء، وإذاً فعُسْرُ جميع المؤمنين واحد هو ما نابهم من شدائد الدنيا ، ويُسْرُهم اثنان : اليومَ بالكَشْفِ والصَّرْفِ ، وغداً بالجزاء . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : كيف تعلق قوله : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } بما قبله ؟ قلت : كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة ، حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ( 5 ) } كأنه قال : خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً . ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وههنا سؤالان :

الأول : ما معنى التنكير في اليسر ؟

( جوابه ) : التفخيم ، كأنه قيل : إن مع اليسر يسرا { إن مع العسر يسرا } عظيما ، وأي يسر .

السؤال الثاني : اليسر لا يكون مع العسر ، لأنهما ضدان فلا يجتمعان.

( الجواب ) : لما كان وقوع اليسر بعد العسر بزمان قليل ، كان مقطوعا به فجعل كالمقارن له . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فإن } أي فعل بك سبحانه هذه الكمالات الكبار بسبب أنه قضى في الأزل قضاء لا مرد له ولا معقب لشيء منه أن { مع العسر } أي هذا النوع خاصة { يسراً } أي عظيماً جداً يجلب به المصالح ويشرح به ما كان قيده من القرائح ، فإن أهل البلاء ما زالوا ينتظرون الرخاء علماً منهم بالفطرة الأولى التي فطر الناس عليها أنه المتفرد بالكمال ، وأنه الفاعل بالاختيار لنسمه الكوائن بأضدادها ، وقد أجرى سنته القديمة سبحانه وتعالى بأن الفرج مع الكرب ...

السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :

{ فإن مع العسر } ، أي : ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم { يسراً } ، أي : كالشرح والوضع والتوفيق للاهتداء والطاعة فلا تيأس من روح الله إذا عراك ما يهمك ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) . . إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك فعلا . فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك . وكان اليسر مصاحبا للعسر ، يرفع إصره ، ويضع ثقله . ...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

قوله تعالى : { فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا }

أي إن مع الضيقة والشدة يسرا ، أي سعة وغنى . ثم كرر فقال : " إن مع العسر يسرا " ، فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام ، كما يقال : ارم ارم ، اعجل اعجل ، قال اللّه تعالى : " كلا سوف{[16171]} تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون " [ التكاثر : 3 ] . ونظيره في تكرار الجواب : بلى بلى ، لا لا . وذلك للإطناب والمبالغة . قاله الفراء . ومنه قول الشاعر :

هممتُ بنفسيَ بعضَ الهموم *** فأولَى لنفسي أولَى لها{[16172]}

وقال قوم : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه ، فهو هو . وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره . وهما اثنان ، ليكون أقوى للأمل ، وأبعث على الصبر . قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول اللّه تعالى خلقت عسرا واحدا ، وخلقت يسرين ، ولن يغلب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه السورة : أنه قال : [ لن يغلب عسر يسرين ] . وقال ابن مسعود{[16173]} : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في حجر ، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، ولن يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم ، وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر رضي اللّه عنهما : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة ، يجعل اللّه بعده فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{[16174]} " [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجرجاني : هذا قول مدخول ؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا ، إن مع الفارس سيفا ، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن اللّه بعث نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم مُقِلاًّ مُخِفًّا ، فعيره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالا ، فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره ، فعزاه اللّه ، وعدد نعمه عليه ، ووعده الغنى بقوله : " فإن مع العسر يسرا " أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر ، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا ، أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده ، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن ، ووسع ذات يده ، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ويعد لأهله قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا ، وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى . ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم ، فقال مبتدئا : " إن مع العسر يسرا " فهو شيء آخر . والدليل على ابتدائه ، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين ، لا يخرج أحد منه ، أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . والذي في الخبر : [ لن يغلب عسر يسرين ] يعني العسر الواحد لن يغلبهما ، وإنما يغلب أحدهما إن غلب ، وهو يسر الدنيا ، فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة ، ولن يغلبه شيء . أو يقال : " إن مع العسر " وهو إخراج أهل مكة النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة " يسرا " ، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل ، مع عز وشرف .


[16171]:آية 3 سورة ألهاكم.
[16172]:البيت للخنساء. ويروى: * هممت بنفسي كل الهموم *
[16173]:أي في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[16174]:آية سورة آل عمران.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ولما ذكر هذه المآثر الشريفة التي هي الكمال ، وكان الكمال لا يصفو إلا مع مساعدة الأقدار ، فإن الهمم إذا عظمت اتسعت مجالاتها ، فإذا حصل فيها تعطيل حصل فيها نكد حسبه ، بين أنه أزال عنه العوائق في عبارة دالة على أن سبب المنحة بهذه الكمالات هو ما كان صلى الله عليه وسلم فيه من الصبر على الأكدار ، وتجرع مرارات الأقدار ، فقال مؤكداً ترغيباً في حمل مثل ذلك رجاء في الإثابة بما يليق من هذه المعالي مبالغاً في الحث على تحمله بذكر المعية إشارة إلى تقارب الزمنين بحيث إنهما كانا كالمتلازمين مسبباً عما مضى ذكره من حاله من الضحى : { فإن } أي فعل بك سبحانه هذه الكمالات الكبار بسبب أنه قضى في الأزل قضاء لا مرد له ولا معقب لشيء منه أن { مع العسر } أي هذا النوع خاصة { يسراً * } أي عظيماً جداً يجلب به المصالح ويشرح به ما كان قيده من القرائح ، فإن أهل البلاء ما زالوا ينتظرون الرخاء علماً منهم بالفطرة الأولى التي فطر الناس عليها أنه المتفرد بالكمال ، وأنه الفاعل بالاختيار لنسمه الكوائن بأضدادها ، وقد أجرى سنته القديمة سبحانه وتعالى بأن الفرج مع الكرب ، فلما قاسى صلى الله عليه وسلم مما ذكر في الضحى من اليتم الشديد وضلال قومه العرب خاصة كلهم الذين ألهمه الله تعالى مخالفتهم في أصل الدين بتجنب الأوثان ، وفي فرعه بالوقوف مع الناس في الحج في عرفة موقف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ومن العيلة ما لم يحمله أحد حتى كان بحيث يمتن سبحانه وتعالى عليه بإنقاذه منه في كتابه القديم وذكره الحكيم ، وكان مع تحمل ذلك قائماً بما يحق له من الصبر ويعلو إلى معالي الشكر " فيحمل " - كما قالت الصديقة الكبرى خديجة رضي الله تعالى عنها - " الكَلَّ ، ويقري الضيف ، ويصل الرحم ، ويعين على نوائب الحق " .

ثم حمل أعباء النبوة فكان يلقى من قومه من الأذى والكرب والبلاء ما لم يحمله غيره ، بشره الله تعالى بأنه ييسر له جميع ذلك ويلين قلوبهم فيظهر دينه على الدين كله ، ويغني أصحابه رضي الله عنهم بعد عيلتهم ، ويكثرهم بعد قلتهم ، ويعزهم بعد ذلتهم ، ويصير هؤلاء المخالفون له أعظم الأعضاد ، وينقاد له المخالف أتم انقياد ، ويفتح له أكثر البلاد ، ليكون هذا العطاء في اليسر بحسب ما كان وقع من العسر ، فإنه قضى سبحانه وتعالى قضاء لا يرتد أنه يخالف بين الأحوال ، دليلاً قاطعاً على أنه تعالى وحده الفعال ، وأن فعله بالاختيار ، لا بالذات والإجبار .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

قوله : { فإن مع العسر يسرا } ذلك تأنيس من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه من المؤمنين وتأنيس للمؤمنين في كل زمان ، إذ بيّن لهم أن الشدة يعقبها الفرج ، وأن الضيق والكرب يخلفهما اليسر وكشف البلاء . والله بفضله مجير لعباده المؤمنين الصابرين فيجعل لهم حسن العواقب في الدنيا والآخرة . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لن يغلب عسر يسرين " ومعنى هذا أن العسر في الآية معرّف في الحالين فهو مفرد . وأما اليسر فهو منكّر فتعدد . أي أن العسر الأول عين الثاني ، واليسر قد تعدد .