في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

وبعد التهديد المخيف ، والوعيد الرعيب ، يعود فيلمس قلوبهم لمساً رفيقاً ، بالتذكير بأنعم الله التي سخرها لهم في هذا الكون العريض :

( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ، ولتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون . وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . .

إن هذا المخلوق الصغير . . الإنسان . . يحظى من رعاية الله - سبحانه - بالقسط الوافر ، الذي يتيح له أن يسخر الخلائق الكونية الهائلة ، وينتفع بها على شتى الوجوه . وذلك بالاهتداء إلى طرف من سر الناموس الإلهي الذي يحكمها ، والذي تسير وفقه ولا تعصاه ! ولولا هذا الاهتداء إلى طرف السر ما استطاع الإنسان بقوته الهزيلة المحدودة أن ينتفع بشيء من قوى الكون الهائلة ؛ بل ما استطاع أن يعيش معها ؛ وهو هذا القزم الصغير ، وهي هذه المردة الجبابرة من القوى والطاقات والأحجام والأجرام .

والبحر أحد هذه الجبابرة الضخام التي سخرها الله للإنسان ، فهداه إلى شيء من سر تكوينها وخصائصها ؛ عرف منه هذه الفلك التي تمخر هذا الخلق الهائل ، وهي تطفو على ثبج أمواجه الجبارة ولا تخشاها ! ( لتجري الفلك فيه بأمره ) . . فهو - سبحانه - الذي خلق البحر بهذه الخصائص ، وخلق مادة الفلك بهذه الخصائص ؛ وجعل خصائص الضغط الجوي ، وسرعة الرياح وجاذبية الأرض . . وسائر الخصائص الكونية الأخرى مساعدة على أن تجري الفلك في البحر . وهدى الإنسان إلى هذا كله فأمكنه أن ينتفع به ، وأن ينتفع كذلك بالبحر في نواح أخرى : ( ولتبتغوا من فضله )كالصيد للطعام وللزينة ، وكذلك التجارة والمعرفة والتجربة والرياضة والنزهة ؛ وسائر ما يبتغيه الحي من فضل الله في البحار .

سخر الله للإنسان البحر والفلك ، ليبتغي من فضل الله ؛ وليتجه إليه بالشكر على التفضل والإنعام ، وعلى التسخير والاهتداء : ( ولعلكم تشكرون ) . . وهو يوجه قلبه بهذا القرآن إلى الوفاء بهذا الحق ، وإلى الارتباط بذلك الأفق ، وإلى إدراك ما بينه وبين الكون من وحدة في المصدر ووحدة في الاتجاه . . إلى الله . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

سخر : هيأ .

لتبتغوا من فضله : لتطلبوا من فضل الله .

أما يعلمون أنه وحده الذي ذلل البحرَ تجري السفنُ فيه بأمره ، تحمِلُ الناسَ وجميع ما يحتاجون ! ! بفضله يَسَعُكم أن تطلبوا من خيراتِ البحر بالتجارة والصيد واستخراج ما فيه من لآلئ وتشكروه على ما أفاض عليكم من هذه النعم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

ولما ذكر سبحانه وتعالى{[57984]} صفة الربوبية ، ذكر بعض آثارها وما فيها من آياته ، فقال مستأنفاً دالاً على عظمتها{[57985]} بالاسم الأعظم : { الله } أي الملك الأعلى المحيط بجميع صفات{[57986]} الكمال . ولما كان آخر الآيات التي قدمها الرياح ، ذكر ما يتصرف بتسييرها فقال : { الذي سخر } أي وحده من غير حول منكم في ذلك بوجه من الوجوه { لكم } أيها الناس بركم وفاجركم { البحر }{[57987]} بما جعل فيه مما لا يقدر عليه{[57988]} إلا واحد لا شريك له فاعل بالاختيار من القابلية للسير{[57989]} فيه بالرقة والليونة والاستواء مع الريح الموافقة وأنه يطفو{[57990]} عليه ما كان من الخشب مع ما علم من صنعته على هذا الوجه الذي تم به المراد { لتجري الفلك } أي السفن { فيه بأمره } ولو كانت موقرة{[57991]} بأثقال{[57992]} الحديد الذي يغوص فيه{[57993]} أخف شيء منه كالإبرة وما دونها .

ولما كان التقدير : لتعبروا بذلك فتعلموا أنه بقدرته خاصة لتؤمنوا به ، عطف عليه قوله : { ولتبتغوا } أي تطلبوا بشهوة نفس واجتهاد بما تحملون فيه من البضائع{[57994]} وتتوصلون إليه من الأماكن والمقاصد بالصيد والغوص وغير ذلك { من فضله } لم يصنع شيئاً منه-{[57995]} سواه . ولما كان التقدير : لتظهر عليكم آثار نعمته ، عطف عليه قوله تعالى : { ولعلكم تشكرون * } أي ولتكونوا بحيث يرجو منكم من ينظر حالكم ذلك شكر من أنعم عليكم به ليزيدكم من فضله في الدنيا والآخرة .


[57984]:زيد في الأصل: السبب المسعد ترغيبا فيه، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57985]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: عظمها.
[57986]:زيد في الأصل: الجلال و، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57987]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57988]:ومن هنا إلى ما سننبه عليه سقطت نسخة م.
[57989]:من مد، وفي الأصل و ظ: بالستر.
[57990]:من مد، وفي الأصل و ظ: مطعوا-كذا.
[57991]:من مد، وفي الأصل و ظ: موقورة.
[57992]:من ظ ومد، وفي الأصل: بأقفال.
[57993]:من ظ ومد، وفي الأصل: في البحر.
[57994]:من مد، وفي لأصل و ظ: الصنائع.
[57995]:زيد من ظ ومد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

قوله تعالى : { الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 12 وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 13 قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون 14 من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون } .

يبين الله نعمته على عباده ليتذكروا ويعتبروا ويبادروا بعبادته وشكره ، فهو سبحانه قد ذلل لعباده البحر بما ذرأه في الماء من مزية خاصة يحمل بمقتضاها الأجسام الثقال على ظهره . ذلكم هو البحر تسير على متنه السفائن المحملة بالبضائع والحاجات والراكبين من الناس والدواب فتمخر بهم في البحر بأمر الله وتقديره من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم بغية اكتساب المعايش والأرزاق وغير ذلك من حاجات السفر { ولعلكم تشكرون } أي لكي تشكروا الله على تذليل البحر لكم فتسير على ظهره السفن الجواري فتبادروا بالطاعة والعبادة لله وحده دون غيره من الأنداد .