التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد هذا التهديد الشديد للأفاكين . . إلى بيان جانب من النعم التي أنعم بها - سبحانه - على عباده ، ودعت المؤمنين إلى الصبر والصفح ، فقال - تعالى - { الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ . . . . ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .

وقوله - تعالى - { سَخَّرَ } من التسخير بمعنى التذليل والتيسير . يقال : سخر الله - تعالى - الإِبل للإِنسان ، إذا ذللها له ، جعلها منقادة لأمره .

أي : الله - تعالى - وحده ، هو الذي بقدرته ورحمته { سَخَّرَ لَكُمُ البحر } بأن جعلكم متمكنين من الانتفاع بخيراته ، وبأن جعله على هذه الصفة التي تستطيعون منها استخراج ما فيه من خيرات .

وقوله : { لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بيان لبعض الأسباب التي من أجلها سخر الله - تعالى - البحر على هذه الصفة .

أي : جعل لكم البحر على هذه الصفة ، لكي تتمكن السفن من الجري فيه بأمره - تعالى - وقدرته ، ولتطلبوا ما فيه من خيرات ، تارة عن طريق استخراج ما فيه من كنوز ، وتارة عن طريق التجارة فيها . . وكل ذلك بتيسير الله - تعالى - وفضله ورحمته بكم .

وقوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } متعلق بمحذوف . أي : أعطاكم ما أعطاكم من النعم ، وجعل البحر على صفة تتمكنون معها من الجري فيه وأنتم في سفنكم ، ومن استخراج ما فيه من خيرات . . لعلكم بعد ذلك تشكرون الله - تعالى - على هذه النعم ، وتستعملونها فيما خلقت من أجله .