السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

ولما ذكر تعالى ذكر الربوبية ذكر بعض آثارها وما فيها من آياته فقال مستأنفاً دالاً على عظمتها بالاسم الأعظم : { الله } أي : الملك الأعلى المحيط بجميع صفات الكمال { الذي سخر } أي : وحده من غير حول منكم ولا قوة في ذلك بوجه من الوجوه { لكم البحر } أيها الناس بركم وفاجركم بما جعل فيه مما لا يقدر عليه إلا واحد لا شريك له فاعل بالاختيار من القابلية للسير فيه من الرقة والليونة { لتجري الفلك } أي : السفن { فيه بأمره } أي : بإذنه ولو كانت موقرة بأثقال الحديد الذي يغوص فيه أخف شيء منه كالإبرة وما دونها ، ففي ذلك دلالة ظاهرة على وحدانيته ؛ لأن جريان الفلك على وجه الماء لا يحصل إلا بثلاثة أشياء ؛ أحدها : الرياح التي توافق المراد ، وثانيها : خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك ، وثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغرق فيه ، وهذه الأحوال لا يقدر عليها أحد من البشر { ولتبتغوا } أي : تطلبوا بشهوة نفس واجتهاد بما تحملون فيه من البضائع وتتوصلون إليه من الأماكن والمقاصد بالصيد والغوص على اللؤلؤ والمرجان وغير ذلك { من فضله } لم يصنع شيئاً منه سواه { ولعلكم تشكرون } نعمه على ذلك .