رفرف : واحدهُ رفرفة : وهي الوسادة ، المخدة .
عبقري حسان : معناه النادر الموشى من البسُط والفرش ، والعرب تُسنِد كلَّ عملٍ عجيب إلى عبقر .
وهؤلاء المؤمنون مع أزواجهم في غاية السعادة والسرور ، متكئين على فُرشٍ عليها وسائد وأغطية خُضْر وطنافس حسان عجيبة الصنع من صنع وادي عبقر . والعربُ تنسب كل شيء عجيب إلى وادي الجن ، ويكنّون عنه بِعَبْقَرَ .
قوله تعالى : " متكئين على رفرف خضر " الرفرف المحابس{[14602]} . وقال ابن عباس : الرفرف فضول الفرش والبسط . وعنه أيضا : الرفرف المحابس يتكئون على فضولها ، وقاله قتادة . وقال الحسن والقرظي : هي البسط . وقال ابن عيينة : هي الزرابي . وقال ابن كيسان : هي المرافق ، وقاله الحسن أيضا . وقال أبو عبيدة : هي حاشية الثوب . وقال الليث ضرب من الثياب الخضر تبسط . وقيل : الفرش المرتفعة . وقيل : كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف . قال ابن مقبل :
وإنا لَنَزَّالُون تغشى نعالُنا *** سَوَاقِطَ من أصناف رَيْطٍ ورفرف
وهذه أقوال متقاربة . وفي الصحاح : والرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس ، الواحدة رفرفة . وقال سعيد بن جبير وابن عباس أيضا : الرفرف رياض الجنة ، واشتقاق الرفرف من رف يرف إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء . وربما سموا الظليم رفرافا بذلك ؛ لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو . ورفرف الطائر أيضا إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه . والرفرف أيضا كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها ، الواحد رفرفة . وفي الخبر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة [ تُخَشْخِشُ ]{[14603]} أي رفع طرف الفسطاط . وقيل : أصل الرفرف من رف النبت يرف إذا صار غضّاً نضيرا ، حكاه الثعلبي . وقال القتبي : يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى كاد يهتز : رف يرف رفيفا ، حكاه الهروي . وقد قيل : إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمرجاح يمينا وشمالا ورفعا وخفضا يتلذذ به مع أنسيته ، قاله الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " وقد ذكرناه في " التذكرة " . قال الترمذي : فالرفرف أعظم خطرا من الفرش فذكره في الأوليين " متكئين على فرش بطائنها من إستبرق " [ الرحمن : 54 ] وقال هنا : " متكئين على رفرف خضر " فالرفرف هو شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به ، أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالمرجاح ، وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل ، روي لنا في حديث المعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله منم جبريل وطار به إلى مسند العرش ، فذكر أنه قال : " طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربي " ثم لما حان الانصراف تناول فطار به خفضا ورفعا يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد ، فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه ، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكاهما وفرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان . ثم قال : " وعبقري حسان " فالعبقري ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر ! . وقرأ عثمان رضي الله عنه والجحدري والحسن وغيرهم " متكئين على رفارف " بالجمع غير مصروف كذلك " وعباقري حسان " جمع رفرف وعبقري . و " رفرف " اسم للجمع و " عبقري " واحد يدل على الجمع المنسوب إلى عبقر . وقد قيل : إن واحد رفرف وعبقري رفرفة وعبقرية ، والرفارف والعباقر جمع الجمع . والعبقري الطنافس الثخان منها ، قال الفراء . وقيل : الزرابي ، عن ابن عباس وغيره . الحسن : هي البسط . مجاهد : الديباج . القتبي : كل ثوب وشيء عند العرب عبقري . قال أبو عبيد : هو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي فينسب إليها كل وشي حُبِك . قال ذو الرمة :
حتى كأن رياض القُفِّ أَلْبَسَهَا *** من وشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ
ويقال : عبقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بسط منقوشة . وقال ابن الأنباري : إن الأصل فيه أن عبقر قرية يسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل . وقال الخليل : كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه : فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " وقال أبو عمر بن العلاء وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم " فلم أر عبقريا يفري فريه " فقال : رئيس قوم وجليلهم . وقال زهير :
بخيلٍ عليها جِنَّةٌ عبقرية *** جديرون يوما أن ينالوا فَيَسْتَعْلُوا
وقال الجوهري : العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن . قال لبيد :
كُهُولٌ وشُبَّانٌ كجِنَّةِ عَبْقَرِ{[14604]}
ثم نسبوا إليه كل شيء يعجبون من حذقه وجودة صنعته وقوته فقالوا : عبقري وهو واحد وجمع . وفي الحديث : " إنه كان يسجد على عبقري " وهو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش حتى قالوا : ظُلْم عبقري وهذا عبقري قوم للرجل القوي . وفي الحديث : " فلم أر عبقريا يفري فريه " ثم خاطبهم الله بما تعارفوه فقال : " وعبقري حسان " وقرأه بعضهم " عباقري " وهو خطأ ؛ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته ، وقال قطرب : ليس بمنسوب وهو مثل كرسي وكراسي وبختي وبخاتي . وروى أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " متكئين على رفارف خضر وعباقر حسان " ذكره الثعلبي . وضم الضاد من " خضر " قليل .
قوله : { متكئين على رفرف خضر } متكئين ، منصوب على الاختصاص . أي مضطجعين ، أو جالسين { على رفرف خضر } والرفرف في تأويله عدة أقوال . فقد ذكر أنه رياض الجنة . وقيل : النمارق . وقيل : ضرب من البسط . والرفرف ، جمع رفرفة . وعبقري ، يعني الزرابي . وقيل : الديباج وقيل : العبقري ، الكامل من كل شيء ، والسيد ، والذي ليس فوقه شيء{[4433]} وفي الخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في عمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " وكل ذلك فضل وإنعام من رب العالمين يمن به على عباده الصالحين في الجنة .